أعاد الإعلان عن إحباط الأردن مخططاً أمنياً يشتبه في أن إيران تقف وراءه لزعزعة استقرار المملكة، النقاش في شأن مساعي طهران لاستغلال حرب غزة بكل الطرق لتوسيع نفوذها في المنطقة وإن على حساب الأمن الداخلي والقومي لدول أخرى.
"لن تكف إيران عن مساعيها الرامية لخلق حالة من الفوضى والانفلات في الأردن، وذلك في إطار مساعيها لتوسيع نفوذها وهيمنتها في المنطقة بما يخدم أجنداتها وأطماعها"، وفق ما يقول لـ"النهار العربي" الوزير الأردني الأسبق وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية الدكتور فيصل الرفوع.
ويرى أن "حرب غزة شكلت فرصة ثمينة بالنسبة لطهران كي تكثف مساعيها وتستثمر كما هي عادتها في المأساة الفلسطينية، مستغلة حالة الغضب الشعبي العربي العارم، لا سيما في الأردن، ووصل الحد بها إلى انتهاك الأجواء الأردنية بالصواريخ والمسيرات لضرب أهداف في إسرائيل، فضلاً عن استمرارها في إشعال الحدود الأردنية - السورية بتهريب المخدرات والأسلحة عبر أذرعها إلى المملكة".
والأربعاء الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين أن الأردن أحبط مؤامرة يشتبه في أن إيران تقف خلفها لتهريب أسلحة إلى المملكة، وذلك لمساعدة معارضين للحكم الملكي على تنفيذ أعمال تخريبية، مشيرين إلى أن الأسلحة أرسلتها فصائل مدعومة من إيران في سوريا إلى خلية تابعة لـ"جماعة الإخوان المسلمين" في الأردن لها صلات بالجناح العسكري لحركة "حماس".
في أعقاب ما نشرته "رويترز" نقلت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا" عن مصدر مسؤول أن الأجهزة الأردنية الأمنية أحبطت محاولة تهريب أسلحة إلى المملكة أرسلت من قبل ميليشيات مدعومة من إحدى الدول إلى خلية في الأردن.
وأوضح المصدر أن الكمية صودرت عند اعتقال أعضاء الخلية، وهم أردنيون، في أواخر آذار (مارس) الماضي، مشيراً إلى أن التحقيقات والعمليات لا تزال جارية لكشف المزيد بشأن هذه العملية، وأنه في الأشهر الأخيرة أحبطت الأجهزة الأمنية محاولات عديدة لتهريب أسلحة، بما في ذلك ألغام كلايمور، ومتفجرات C4، وسمتكس، وبنادق كلاشنيكوف، وصواريخ كاتيوشا عيار 107 ملم.
"استقرار الأردن يُزعج إيران"
"يُزعج إيران أن يبقى النظام في الأردن مستقراً، وهي التي استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في بلدان محيطة به وغيرها، من فلسطين إلى سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين"، بحسب الوزير الأردني الأسبق الذي يؤكد أن "إيران تريد بالتالي أن تكون المملكة جزءاً من حالة الانفلات التي تنمّي فيها طهران نفوذها، عبر مساومة الغرب في ما يخص مصالحها الاستراتيجية على حساب دماء العرب وأمنهم واستقرارهم".
لكن الرفوع يشدد على أن "الأردن حالة مختلفة، خصوصاً أن السواد الأعظم من الشعب يقف ضد سياسات طهران وسلوكها في المنطقة، والذي تكشف أكثر فأكثر خلال العقد الأخير، ما يعني أن لا مكان لأجندتها في الوعي الجمعي الأردني، ذلك أن المنخدعين بخطاباتها في المملكة لا يشكلون حالة، ومن المؤكد أن أي تحركات مشبوهة في الداخل لزعزعة الاستقرار ستكون تحت المجهر الأمني ولن يتم السماح بنجاحها".
ويختم الرفوع حديثه بالقول إن "إيران تحاول حالياً ممارسة المزيد من الخداع للشارع العربي بإظهار أنها تناصر القضية الفلسطينية وتحديداً بشأن حرب غزة، فيما الحقيقة أنها تستخدم أذرعها في المنطقة في الزمان والمكان اللذين ترى أنهما يخدمان مخططاتها وصراعها مع الغرب، والمؤسف أن هناك من لا يزال يصدق كذبة ما يسمى بمحور الممانعة".
"سيظل الأردن عصياً على الاختراق"
من جهته، يؤكد مدير استخبارات عسكرية أردني أسبق لـ"النهار العربي" بعدما طلب عدم ذكر اسمه، أن "الأردن يدرك تماماً ومنذ زمن حجم الخطر الأمني الذي تشكله إيران عليه، بمحاولاتها لإدخاله في حالة الفوضى بعدما توسًّع نفوذها في أكثر من بلد عربي، وتزايد ذلك الخطر في أعقاب حرب غزة"، لكنه يشدد في الوقت ذاته على أن "الأجهزة الأمنية والعسكرية كافة تتابع عن كثب أي تحركات وتقف لها بالمرصاد، وسيظل الأردن عصياً على الاختراق".
ويقول إن "ما تم الكشف عنه مؤخراً بشأن قضية تهريب الأسلحة، ما هو إلا حلقة في مسلسل الاستهداف الإيراني للأردن"، متوقعاً بهذا الخصوص أن تواصل طهران مساعيها ومطامعها تجاه المملكة بجميع السبل.
ويضيف أن "خطر إيران يتعاظم ولا يمكن التقليل من حجمه أو الاستهانة به، خصوصاً أنها تستغل الأبعاد العاطفية والتجييشية المتعلقة بالقضية الفلسطينية عموماً وحرب غزة على وجه التحديد، وتدرك جيداً تأثير هذا الملف في الداخل الأردني المنقسم في قناعاته بين التأييد والرفض بشأن الدور الذي تلعبه طهران في حرب غزة".
ويشير إلى أن "الحذر الأردني سيكون مضاعفاً تجاه إيران، خصوصاً محاولات اختراق الساحة الداخلية والسعي لتشكيل تنظيم أو خلية تحت عنوان ظاهره هو نصرة فلسطين، بينما تختبئ وراؤه نواياها الحقيقية الهادفة لزعزعة أمن الأردن واستقراره وخلق ساحة نفوذ لها فيه".
الاصطدام بالمشروع الإيراني
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اليرموك الأردنية الدكتور محمد خير الجروان، أن "الحرب على غزة وتبعاتها لم تكن سوى محطة من محطات التوتر في العلاقات الأردنية - الإيرانية منذ حرب الخليج الأولى وحتى يومنا هذا، فموقف الأردن وأمنه القومي وسياسته الخارجية ارتبط على الدوام بأمن الإقليم ومناصرة القضايا والمصالح العربية، كحرب الخليج الأولى، وقضية الجزر الإماراتية، وأمن الخليج، ومسار السلام والحل العادل للقضية الفلسطينية، واحترام سيادة دول المنطقة وعدم التدخل في شؤونها، ومنع انتشار الأسلحة النووية، ومحاربة الجماعات الإرهابية والميليشيات العسكرية، وهذا ما اصطدم على الدوام بالمشروع الإيراني ونفوذه وأدواته في المنطقة".
ويضيف لـ"النهار العربي": "كغيرها من القضايا حاولت إيران استغلال حرب الاحتلال وجرائمه في غزة لخدمة مشروعها ونفوذها في المنطقة، ومحاولة اختراق الداخل الأردني وزعزعة استقراره عبر العديد من الرسائل والخطابات المبطنة، وتكثيف نشاط ميليشيات التهريب على الحدود الشمالية، واختراق الأجواء الأردنية خلال ردها على هجوم الاحتلال على قنصليتها في دمشق، وغيرها من الممارسات التي تؤكد على استغلال أي ثغرة تمكّنها من إيجاد موطئ قدم تهدد من خلالها وحدة المجتمع الأردني وتماسكه، وجميع هذه المحاولات وآخرها إيجاد تنظيم مسلح مرتبط بتنفيذ مصالحها تم إحباطها من قبل المؤسسات والأجهزة الأمنية الأردنية".
"إخوان الأردن وحماس"
ووفق الجروان "ليس مستغرباً أن ترتبط الخلية بأفراد من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إذ إنهم على الدوام الحلقة الأضعف لمثل هذه الأجندة الخارجية، ورغم نفي الجماعة وتأكيدها أن هذا التصرف فردي إلا أن على عاتقها دوراً ومسؤولية كبيرة في عدم تكرار مثل هذه الحالة فهم أعضاؤها في النهاية"، معتبراً أن "الخطأ الأكبر الذي ارتكبته حركة حماس منذ بدء الحرب والتي تتحمل جزءاً من قضية التنظيم المسلح داخل الأردن، هو تجاوزها وتدخلها بالشأن الأردني عبر الرسائل المباشرة التي وجهتها للشارع بهدف تجييشه دون أدنى مسؤولية حول تبعات ذلك".
لذلك، يشير الجروان إلى "دور غير مباشر لكل من جماعة الإخوان وحركة حماس، ويمكن أن تكشف التحقيقات مع الخلية في الفترة المقبلة معلومات جديدة تعيد قراءتنا للمشهد".