حققت الضغوط السياسية والقانونية التي مارستها بعض الأحزاب السياسية في إقليم كردستان مبتغاها، وتراجعت المحكمة الاتحادية العراقية العليا عن قراراها السابق، وأعادت "كوتا الأقليات" إلى تشكيلة برلمان الإقليم، بحيث تكون لهم 5 مقاعد من أصل 100.
حسب تفاصيل القرار الجديد، فإن مقعدين نيابيين في محافظتي أربيل والسليمانية، واحد للمسيحيين وآخر للتركمان في كُلّ منهما، ومقعد للمسيحيين في محافظة دهوك، ستكون من حصة أبناء هذين المكونين التركماني والمسيحي من أبناء الإقليم.
قرار الإلغاء
كانت المحكمة الاتحادية العراقية العليا قد أصدرت في 21 شباط (فبراير) الماضي قرارات عدة بشأن قانون انتخابات إقليم كردستان، أحدثت خضة سياسية ضمن الإقليم، إذ نصت على "تتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق مسؤولية إجراء الجولة السادسة من الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان والإشراف عليها بدلاً من مفوضية إقليم كردستان للاستفتاء والانتخابات"، و"بالنسبة للجولة السادسة لانتخابات برلمان كردستان؛ يتم تقسيم إقليم كردستان إلى أربع دوائر انتخابية"، كذلك قررت المحكمة "إلغاء عدد مقاعد الكوتا الـ 11، واعتبارها غير دستورية. وبناء على ذلك، يصبح العدد الإجمالي لمقاعد برلمان كردستان 100 مقعد بدلاً عن 111 مقعداً".
لكن عدة أحزاب سياسية، تركمانية ومسيحية، أعلنت مقاطعتها للانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من حزيران (يونيو) المقبل، ومعها الحزب الديموقراطي الكردستاني، أكبر أحزاب الإقليم والذي ينتمي إليه رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني.
عقب مفاوضات سياسية مطولة، خاضها رئيس الإقليم خلال ثلاث جولات مع القوى السياسية العراقية المركزية، بدأت الصورة تتضح نوعاً ما، إذ تقدم تحالف سياسي انتخابي "مسيحي" وآخر تركماني في إقليم كردستان العراق، بدعويين قضائيتين لدى المحكمة الاتحادية العراقية، يطالبان فيها بتثبيت الحقوق السياسية للمكونات في الإقليم، من خلال إرجاع مقاعد كوتا الأقليات ضمن برلمان الإقليم.
دعوى لدى المحكمة الاتحادية
التحالف المسيحي الذي سبق وأعلن عن نفسه في أوائل الشهر الجاري، ويضم أحزاباً سياسية عن كل المكونات القومية للمسيحيين في إقليم كردستان، الآشوريين والسريان والكلدان، ولاحقاً انضم إليهم حزب أرمني، وسمى نفسه "التحالف المسيحي في إقليم كردستان"، أعلن على لسان رئيس "ائتلاف حمورابي"، العضو الرئيسي في هذا التحالف، ووزير النقل الحالي في كردستان آنو جوهر، عن تقدمه بدعوى قانونية لدى المحكمة الاتحادية، يطالبها بفرض إجراءات تُرسخ حقوق المسيحيين في العراق، حسب الدستور، وذلك من خلال تثبيت مقاعد الكوتا ضمن تشكيلة برلمان الإقليم.
التحالف السياسي الجديد كان أول تشكيل سياسي على أساس ديني - مسيحي، إذ كانت القوى السياسية المسيحية في الإقليم عادة ما تشارك في العملية السياسية عن طريق القوى الحزبية - القومية، الآشورية والكلدانية والأرمنية. لكنّ مراقبين وجدوا في الخطوة الأخيرة محاولة للالتفاف على قرار المحكمة الاتحادية الذي ألغى "كوتا الأقليات" في برلمان الإقليم، المستند إلى عدم تضمن دستور العراق أقلية / أغلبية على أساس قومي، في وقت ثمة كوتا في البرلمان الاتحادي على أسس دينية، للمسيحيين واليزيديين والصابئة والفيلية، الأمر الذي يعتقد مسيحيو كردستان أنه قد يتكرر في الإقليم.
مصدر سياسي في إقليم كردستان شرح في حديث مع "النهار العربي" ما يعتقد أنها المقدمات الأولية لتراجع المحكمة الاتحادية النسبي عن قراراتها السابقة بشأن برلمان الإقليم، في ظل حدوث استعصاء سياسي بشأنها. المصدر أضاف أن أغلب القوى السياسية العراقية تستشعر بحرج من قرارات المحكمة الاتحادية، وخصوصاً أنها تجاوزت تماماً سلطات ولايتها القضائية في القرارات الأخيرة، وصارت تتصرف كسلطة تنفيذية، وهو ما تسبب بالأزمة السياسية الحادة في الإقليم، من خلال إعلان الحزب الديموقراطي الكردستاني مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما دفع المحكمة لاتخاذ ما تسميه "أوامر ولائية" أولاً، أوقفت فيها عمل المفوضية العراقية للانتخابات في كردستان موقتاً، ومن ثم اتخذت القرار الأخير الذي ينص عملياً على عدم وجود مانع دستوري أمام "كوتا المسيحيين" في برلمان الإقليم.
حزبا "الشعب التركماني" و"التنمية التركماني" ومعهما "منظمة باريش" للمساعدات الإنسانية تقدموا من جهتهم بدعوى لدى المحكمة الاتحادية العليا، ضد "رئيس مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق"، طالبوا فيها بإعادة مقاعد الكوتا التركمانية في برلمان الإقليم (5 مقاعد من أصل 111)، معللين ذلك بـ"الحقوق الطبيعية" و"التوازن القومي" في الحياة السياسية في العراق، وخصوصاً أن الدستور العراقي يشجع في ديباجته التأسيسية على تنمية وتعزيز مكانة الأقليات القومية والدينية سياسياً.
ضحايا الصراعات
الباحثة والناشطة السياسية سيميل شمعون شرحت في حديث مع "النهار العربي" ما سمّته أسباب وقوع المسيحيين في الإقليم، وكل العراق، ضحايا صراعات الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد، وقالت: "في المحصلة، الكل متفق أدبياً وخطابياً على أهمية بقاء قوى سياسية تمثل المسيحيين وباقي الأقليات الدينية في البلاد، لكن ليس من طرف سياسي مستعد لأن يترك ذلك الأمر للمسيحيين أو غيرهم، بل يحاولون جاهدين تجيير ذلك لصالح زيادة نفوذهم وموقعهم ضمن العملية السياسية. فمقاعد الكوتا المسيحية في برلمان كردستان هي ضحية المزاحمة بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد والديموقراطي الكردستاني، وتهميش مسيحيي الموصل وبغداد تم لصالح تيار سياسي تم اختلاقه من قِبل القوى الشيعية الرئيسي (بابليون)، الأمر نفسه يُطبق على اليزيديين والصابئة. قرارات المحكمة الاتحادية كانت ضمن السياق نفسه، وتراجعها سيكون جزءاً من تلك اللعبة الكبرى في البلاد، وليس التزاماً بحرفية الدستور أو روح القيم السياسية التي بُني عليها الدستور".
يشكل تراجع المحكمة الاتحادية عن واحدة من قرارتها مناسبة استثنائية، ما يدفع المراقبين للظن أنه قد يكون مقدمة لإعادة بلورة الكثير من القرارات السابقة. فالدستور العراقي يعتبر قرارات المحكمة باتة وغير قابلة للطعن، لكن ما حدث معاكس لذلك تماماً، نتيجة لضغوط سياسية وشعور المحكمة بحرج من تجاوزها لصلاحياتها ومدى ولايتها.