النهار

تطوّر مثير في العراق.. "طريق التّنمية" يغير مساره بناءً لرغبة إقليم كردستان
المصدر: النهار العربي
تتطلع مدن البلاد وقراها لحجز إطلالة على "طريق التنمية" بأمل الاستفادة من الحركة التجارية المتوقعة، وكما أن الخبر الجديد عن انحراف الطريق شرقاً سيكون مدعاة تفاؤل السكان على المسار الجديد، فإن المناطق التي قد تخسر فرصتها ستتلقى الأمر كخبر سيء.
تطوّر مثير في العراق.. "طريق التّنمية" يغير مساره بناءً لرغبة إقليم كردستان
طريق التنمية كما أعدته الحكومة العراقية
A+   A-
بغداد: باسل سواري
 
أعلن وزير النقل في حكومة إقليم كردستان العراق آنو جوهر، أن الحكومة العراقية والشركة الإيطالية المصممة لمشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي، وافقا على دراسة مقترح كردستاني بتغيير المسار الحالي من غرب نهر دجلة إلى الضفة الشرقية، ليدخل إلى عمق محافظة دهوك التابعة للإقليم، ويمر بسلسلة مناطق يسكنها المسيحيون. وهي أول مرة تصل فيها بغداد وأربيل إلى إعلان هذا المستوى من التفاصيل الدقيقة، في تطور لافت قد تكون له انعكاسات عديدة، فالمسار الجديد من شأنه أن ينعش مدناً وقرى مسيحية عديدة تكاد تخلو من سكانها بسبب البطالة وتراجع الحركة الاقتصادية، كما سيربط الإقليم بمزيد من الوشائج مع بقية مناطق العراق، لكن من المتوقع أيضاً أن يثير استياءً بين سكان مناطق عربية وتركمانية وأيزيدية إذا اكتشفت أنها خسرت فرصتها بالإطلالة على الطريق الاقتصادي الذي تعلق عليه كل البلاد آمالاً كبيرة بنهضة اقتصادية. وثمّة مَن يربط بين ظهور المقترح الجديد، و"مجاملة إيرانية" محتملة لرئيس الإقليم الذي زار إيران قبل أيام.
 
و"طريق التنمية" هو مشروع عراقي - تركي يحظى بدعم الإمارات وقطر، يبدأ من ميناء الفاو المطل على الخليج العربي والذي يقترب العراق من إكمال بنائه، ويمر بـ11 محافظة عراقية، وترتبط به المحافظات السبع المتبقية أيضاً عبر طرق فرعية، ويشمل خطوط سكك حديد، وطريقاً برياً سريعاً بطول 1200 كم، تصل مجتمعة إلى الحدود التركية، ويستهدف شحن البضائع من شرق آسيا وجنوبها إلى عواصم أوروبا، مع نقل أكثر من 10 ملايين مسافر بقطارات تصل سرعتها إلى 300 كم في الساعة، ويقول المسؤولون إنهم يستهدفون تسيير 100 قطار في اليوم بمعدل قطار كل 10 دقائق، وبما يحقق واردات تُقدر بـ5 مليارات دولار سنوياً. 

وفي الخريطة التي حددتها الحكومة العراقية، يمتد الطريق بموازاة الضفة الغربية لنهر دجلة ليلامس في أقصى نقطة عند الشمال، حدود إقليم كردستان ويمر به بمسافة لا تتجاوز 5 كم ثم يدخل الحدود التركية بعد معبر فيشخابور، وهو مسار لم يكن مطمئناً للخبراء الكرد، لأنه يتجنب دخول الإقليم إلى الحد الأقصى، أما الإعلان المقترح، فهو ينقل طريق التنمية بعد مدينة الموصل، إلى الضفة الشرقية من نهر دجلة، بما يجعل مساره ضمن عمق كردستان، وعبر مساحات تسيطر عليها حكومة الإقليم بالكامل. 
 
 
وعلى المستوى الشعبي، تتطلع مدن البلاد وقراها لحجز إطلالة على "طريق التنمية" بأمل الاستفادة من الحركة التجارية المتوقعة، وكما أن الخبر الجديد عن انحراف الطريق شرقاً سيكون مدعاة تفاؤل السكان على المسار الجديد، فإن المناطق التي قد تخسر فرصتها ستتلقى الأمر كخبر سيئ. ورغم أن المختصين لا يتحدثون بدقة عن أوجه استفادة المدن والقرى من مرور الطريق، إلا أن التنافس حول الالتصاق بالمشروع صار "مسلّمة شعبية". 
 
وفي المسار الحكومي الأول، كان الطريق يمر عبر عدد من قرى الصحراء غرب نينوى، ثم يقترب من مدينة تلعفر التي يقطنها أكثر من نصف مليون نسمة، معظمهم من التركمان الشيعة، ثم يصل إلى مدينة ربيعة على حدود سوريا، والتي تسكنها قبائل عربية منها شمّر، ويمر قبل ذلك بمحاذاة مدينة سنجار ذات الغالبية الإيزيدية، وفي المسار الجديد تخرج كل تلك المناطق من مجاورة "طريق التنمية".
 
 وإذا ما قررت بغداد الموافقة على المقترح، فقد يتعيّن عليها بذل جهد مضاعف في البحث عن مقترحات تعيد "تشبيك" المناطق المتضررة بالمشروع بطريقة أو بأخرى، وتزيل مخاوف السكان من التهميش، قد يكون من بينها تحويل "طريق التنمية" إلى "شبكة طرق تنمية تمر بالجميع" في محاكاة مصغرة للطريقة الصينية في مبادرة "الحزام والطريق".
 
ويأتي الإعلان الكردي عن المسار الجديد، بعد زيارة رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني لإيران، التي التقى خلالها مرشد الثورة علي خامنئي، ويبدو أنها كانت مثمرة، فكثير من المراقبين المحليين يربطون بين الانفراجات التي تشهدها علاقات بغداد وأربيل، وبين تحسن العلاقة بين الإقليم وصناع القرار في إيران، بما في ذلك قيام الحكومة الاتحادية أخيراً بتسليم دفعات من أموال رواتب موظفي إقليم كردستان، وتوقف الهجمات الصاروخية والمسيرة على الإقليم، انتهاءً بإعلان مسار جديد لمشروع "طريق التنمية" يطابق الرغبة الكردية.
 
مع ذلك، لم تحصل أربيل حتى الآن على موافقة واضحة تجاه المسار الجديد، فالشركة الإيطالية المصممة للمشروع ستحتاج بضعة أشهر للبت بصلاحيته فنياً ومن ناحية التضاريس، كما أن مدير السكك اكتفى بالموافقة على دراسة المسار، لكن الأوساط الكردية تلقت نبأ الموافقة بتفاؤل كبير، واعتبرته مقدمة للموافقة على تغيير المسار. 
 
وتدافع أربيل عن مقترحها بنقاط عدة، من بينها أن المسار الجديد يقلص المسافة إلى حدود تركيا بنحو 30 كم، كما أن الانحراف شرقاً يُبعد حركة البضائع أكثر عن مرمى قوات حزب العمال الكردستاني التي تنتشر غرباً قرب حدود سوريا، ولا تنظر بارتياح إلى المشروع.

اقرأ في النهار Premium