على رغم الضغوط السياسية والاقتصادية الأميركية على الحكومة المركزية العراقية بشأن إعادة تصدير نفط إقليم كردستان، لم يحرز الملف أي تقدّم، بعد مرور أكثر من عام على القرار، وتكبّد العراق خسائر تُقدّر بأكثر من 20 مليار دولار.
التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بشأن مفاوضات الحكومة الاتحادية العراقية مع شركات النفط العاملة في الإقليم، التي قال إنه "لم يجرِ إحراز أي تقدّم" فيها، أشاعت جواً سلبياً في القطاع.
صراع سياسي بغطاء قانوني
وبحسب معلومات خاصة حصل عليها "النهار العربي"، فإن الحكومة العراقية تريد الانطلاق من نقطة تعتبر الاتفاقيات المُبرمة بين هذه الشركات وحكومة إقليم كردستان غير قانونية، وبالتالي البدء بجولة تفاوض طويلة بشأن كل التفاصيل، تُعطي الأولوية لهذه الشركات في أماكن عملها في الإقليم. لكن الشركات تعتبر ذلك بمثابة تخلٍ عن حقوقها القانونية، خصوصاً أنها تعرف جيداً أن الحكومة الاتحادية ستسعى لأن تعقد اتفاقيات بشروط أفضل مما كانت حكومة الإقليم قد تعاقدت بها مع هذه الشركات، بغية إظهار "تخلي" الإقليم عن الحقوق الوطنية العراقية.
تتركّز مفاوضات الحكومة الاتحادية مع شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم، وبحسب معلومات "النهار العربي"، على ثلاث مسائل رئيسية، هي طبيعة الشركات المنقّبة والمُستخرجة للنفط وحصتها من مجموع الإنتاج، ومستحقات الأموال والديون والأرباح المترتبة لهذه الشركات على حكومة كردستان، إلى جانب الضمانات التي تطالب بأن تكون غير متأثرة بأي خلاف سياسي مستقبلي بين الطرفين.
دور أميركي في الحلّ؟
زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون موارد الطاقة جيفري بايت لإقليم كردستان خلال الأسبوع الماضي أشاعت تفاؤلاً بإمكان حلحلة الملف عن طريق الضغوط الأميركية على الطرفين، كما حدث في ملف رواتب موظفي حكومة الإقليم، عقب زيارتين متتاليتين لكل من رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للولايات المتحدة الشهر الماضي.
المسؤول الأميركي عبّر خلال الزيارة عن "أهمية حجم قطاع الطاقة في هذه المنطقة، وهو أمر ضروري لاستقلالية الطاقة في كل أنحاء العراق، بالإضافة إلى رؤية حقيقة وجود تحدّيات مشتركة نواجهها جميعاً... نحن متحمسون للفرص المتاحة لتطوير علاقة قوية جداً في مجال الخدمات المتعلقة بالطاقة بين الولايات المتحدة والعراق، وبشكل خاص هنا في إقليم كردستان العراق، حيث لدينا شريك يقدّر علاقته مع الولايات المتحدة. مكان يفهم فيه أقراننا في الصناعة كيفية عمل الشركات الأميركية، وكيف أن لدينا مصلحة مشتركة في بناء الرخاء والاستقرار والاستدامة".
والتقى المسؤول الأميركي مختلف المسؤولين في إقليم كردستان، في زيارة قال إنها جاءت عقب زيارة السوداني لواشنطن، لافتاً إلى أنه يحمل مقترحاً متكاملاً بشأن إعادة تصدير نفط الإقليم. ولم تتضح بنود تلك المبادرة، لكن إشاعات قالت إن الولايات المتحدة تسعى لتوفير مساحة متوسطة بين الشركات النفطية والحكومة الاتحادية، طالبة من حكومة الإقليم التعاون في ذلك.
"ليست خلافات مالية"
الباحث في الشؤون الاقتصادية دهام حاجي شرح في حديث إلى "النهار العربي" ما سمّاه الأساس السياسي لخلافات الطرفين، نافياً أن تكون الخلافات المالية وتفاصيل العقود هي الجوهر المانع لإعادة تصدير نفط الإقليم، وقال: "مبدئياً نتحدث عن خسائر تقارب 20 مليار دولار منذ توقف الإنتاج، وهو رقم يفوق أي تصور لخسائر الحكومة الاتحادية من أي تفاصيل في إعادة التعاقد، هذا غير التأثيرات الهيكلية على قطاع النفط في عموم العراق. لكن ذلك يُثبت هامشية الحيز المالي للملف، ويثبت البُعد السياسي".
ويشير إلى أن "الحكومة الاتحادية شديدة الحساسية من اندراج الملف النفطي والاقتصادي في إقليم كردستان ضمن الرؤية الفيدرالية، في وقت تسعى لمزيد من المركزية الصارمة، حتى في القطاع المالي، المرتبط بتفصيل مثل توزيع رواتب موظفي إقليم كردستان. هذا ليس مجرد تفسير قانوني أو دستوري للحكومة الاتحادية العراقية، بل يكاد يكون توجّهاً إقليمياً ضاغطاً عليها، كي لا تسمح بخروج تجربة إقليم كردستان عن حدودها الراهنة والقفز لتكون شريكاً في قطاع الطاقة العالمي، وهي قادرة على تحمّل الكثير من الضغوط الأميركية في سبيل عدم تحقق ذلك. فما ينطبق على تصدير النفط والغاز، يتعلق بملفات أخرى مثل طريق التنمية والبعثات الدبلوماسية وحقوق قوات البيشمركة الكردية".
كانت حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط المحلي وتصدّره منذ العام 2014، ووصل إنتاجها المحلي خلال السنوات الماضية إلى أكثر من 600 ألف برميل في اليوم، لكن قرار محكمة باريس للمنازعات الاقتصادية في شهر آذار (مارس) 2023 منع الإقليم من الاستمرار بتصدير نفطه، ولا يزال الملف عالقاً حتى الآن.