النهار

الوصاية الهاشمية... دور الأردن مسكون بقلق الانتهاكات الإسرائيلية
عمّان - محمد الرنتيسي
المصدر: النهار العربي
لم تكن الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، التي تمتد جذورها إلى عشرينيات القرن الماضي، يوماً ما في مأمن من الانتهاكات الإسرائيلية واستمرارها
الوصاية الهاشمية... دور الأردن مسكون بقلق الانتهاكات الإسرائيلية
احتفظ الأردن بحقّه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس المحتلة بموجب اتفاقية وادي عربة
A+   A-

لم تكن الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، التي تمتد جذورها إلى عشرينيات القرن الماضي، يوماً ما في مأمن من الانتهاكات الإسرائيلية واستمرارها، ولا سيما التي تهدف لتهويد المسجد الأقصى وفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، إذ كان الوقت الطويل كفيلاً بترسيخ القناعات الأردنية بأن إسرائيل لن تكف عن استهداف الوصاية وزعزعتها، بدلاً من التسليم بها والتعامل بالتالي بمحاذير تراعي خصوصية تلك الوصاية.

واحتفظ الأردن بحقّه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس المحتلة، بموجب اتفاقية وادي عربة التي وقّعها مع إسرائيل عام 1994، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة التاسعة في الاتفاقية على أن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى لدور المملكة التاريخي في هذه الأماكن.

وبناء على ذلك، فإن الملك عبدالله الثاني هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدّسة في القدس، وله الحقّ في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها.

وفي خطوة وُصفت بـ"التاريخية"، وقع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في نهاية آذار (مارس) من العام 2013، اتفاقاً في عمّان مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أُعيد فيه تأكيد الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة.

وتشمل الوصاية قيام المملكة بإجراءات منوّعة لحماية المقدسات والوقفيات وتعزيز صمود المقدسيين في أرضهم ودعمهم وإسنادهم، من خلال أشكال دعم مباشرة من بينها إشراف وزارة الأوقاف الأردنية على شؤون المسجد الأقصى، إذ يبلغ عدد الموظفين التابعين لها أكثر من 800، لمتابعة شؤون الأقصى ومساجد مدينة القدس التي يزيد عددها على 102، وتتولى إعمارها ورعايتها وصيانتها والوعظ والإرشاد بها، بالإضافة للإشراف على الأملاك الوقفية (الخيرية والذرّية) في القدس بإدارتها وصيانتها وترميمها واستثمارها، وغير ذلك العديد من المهام والأدوار.

وصاية محمية تاريخياً وقانونياً ودولياً وشعبياً
ومن وجهة نظر مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة "الغد" الأردنية الدكتورة نادية سعد الدين، فإن "الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس المحتلة، ساهمت في حمايتها من مساعي الاحتلال الصهيوني المتواصلة لتهويد مدينة القدس وطمّس معالمها وهويتها العربية الإسلامية، وللسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، تمهيداً لتقسيمه زمنياً ومكانياً، والتي يتم إحباطها بفعل صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الثابتة، وأمام الموقف الأردني الصلب والداعم للقضية الفلسطينية".

وتُضيف سعد الدين لـ"النهار العربي" أن "المحاولات والمساعي الإسرائيلية لن تنال من الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فهي محمية تاريخياً وقانونياً ودولياً وشعبياً"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "الأردن يمارس مسؤوليته تجاه المقدسات في القدس انطلاقاً من الوصاية الهاشمية التاريخية عليها، وذلك من أجل ضمان الحفاظ على الوضع القائم القانوني والتاريخي، ومنع انتهاكات الاحتلال، وحماية دور دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، بوصفها السلطة الوطنية الحصرية المسؤولة عن إدارة المسجد والإشراف على شؤونه كافة".

وتلفت إلى أن "الرعاية الرسمية، المنسجمة مع الموقف الشعبي الأردني، تتجسّد في دعم ونصرة أهالي القدس، والشعب الفلسطيني، لتعزيز صمودهم وتثبيتهم على أرضهم، وحماية المقدسات، والتصدي لمحاولات الاحتلال المستمرة لتهويدها والاستيلاء عليها وتهويد الأوقاف في القدس".

وبشأن تزايد الانتهاكات تقول سعد الدين إن "توتر العلاقات الأردنية – الإسرائيلية يعود إلى فترة تشكيل حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، التي تعد الأكثر تطرفاً" في مسار إسرائيل، ولا سيما تجاه "انتهاكاتها الصارّخة بحق المقدسات الدينية في القدس، وتزايد وتيرة اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، ومساعي تمرير مخطط السماح لصلاة اليهود فيه، بما يمسّ المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية (عام 1994) التي أكدت صراحة على الدور الأردني في المقدسات بالقدس".

"رد الفعل الأردني غير رادع"
ووفق ما يرى الكاتب ماجد توبة، فإن "ملف الوصاية الهاشمية يعد واحداً من أبرز الملفات الساخنة التي تنذر وفي أي وقت بتصعيد كبير بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن ممارسة الانتهاكات بحق المقدسات سواء الإسلامية أو المسيحية في القدس، خصوصاً أن الموقف الإسرائيلي يسعى إلى إنهاء الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى تحديداً وبسط سيطرة كاملة عليه".

والملف كما يُضيف توبة لـ"النهار العربي"، يحظى بأهمية كبيرة وحساسية بالغة بالنسبة للأردن، و"هو بمثابة خط أحمر للمملكة، ما يعني أن تواصل الانتهاكات الإسرائيلية يجعل الأردن في حالة قلق دائم من أن تصل تلك الانتهاكات إلى حدود لا يمكن السكوت عنها وتتطلب تصعيداً غير معتاد".

ويتابع: "الأردن ظل يمارس ردود فعل منضبطة لا انفعالية تجاه العديد من حوادث الانتهاكات التي مارسها الاحتلال في القدس وهي لم تكن رادعة كون الانتهاكات تتجدد، إلا أن إيقاع الردود قد يتصاعد على نحو أكثر حدة بما يمتد إلى ما يضرب صميم العلاقة بين الجانبين ويثير ردود فعل ومواقف عربية وإقليمية ودولية".

اقرأ في النهار Premium