النهار

بعد عقد من سيطرة "داعش" سعي إلى حياة أفضل في الموصل
المصدر: أ ف ب
في العاشر من حزيران (يونيو) 2014، سيطر التنظيم على الموصل ‏في محافظة نينوى في شمال العراق. وأعلن منها بعد 19 يومًا ‏‏"الخلافة الإسلامية‎"‎‏. ‏
بعد عقد من سيطرة "داعش" سعي إلى حياة أفضل في الموصل
طفل يلهو أمام مبنى مدمر في الموصل (أ ف ب)
A+   A-
 
قبل عشرة أعوام، شكّلت الموصل عاصمة "الخلافة" التي أعلنها ‏تنظيم "داعش" بعد اجتياحه مناطق واسعة في سوريا والعراق نشر ‏فيها القتل والدمار. اليوم، لا زال سكان المدينة يكافحون للتعافي وبناء ‏مستقبل أفضل‎.‎

بين هؤلاء طالب جامعي قطع الجهاديون يده أصبح اليوم ناشطًا ‏حقوقيًا، وصاحب محل موسيقى تمكّن من إنقاذ أرشيف عمره 50 ‏عامًا، وقاض حاكم جهاديين سابقين بعد أن أعدم التنظيم المتطرف ‏شقيقه‎.‎

في العاشر من حزيران (يونيو) 2014، سيطر التنظيم على الموصل ‏في محافظة نينوى في شمال العراق. وأعلن منها بعد 19 يومًا ‏‏"الخلافة الإسلامية‎"‎‏. ‏

وأطلّ الزعيم الأسبق للتنظيم أبو بكر البغدادي علنًا للمرّة الأولى من ‏جامع النوري الكبير في الموصل، مقدّما نفسه على أنه "أمير ‏المؤمنين"، في لحظة لا تزال محفورة في ذاكرة كثيرين‎.‎

خلال سنوات بثّوا فيها الرعب، حوّل الجهاديون حياة الناس إلى ‏جحيم، فنفّذوا إعدامات بقطع الرأس وفرضوا عقوبات بقطع أصابع ‏المدخنين أو أيدي السارقين وجعلوا من نساء "سبايا" ودمّروا كنائس ‏وجوامع ومتاحف وأحرقوا الكتب والمخطوطات‎.‎

بعد معارك عنيفة، استعاد الجيش العراقي، بدعم من تحالف دولي ‏بقيادة الولايات المتحدة، الموصل في العام 2017، معلنا هزيمة ‏التنظيم في العراق‎.‎
 

الطالب‎ ‎
في أحد أيام أيار (مايو) 2015، تجمّع عشرات الأشخاص في حي ‏الكرامة في شرق الموصل، وعيونهم مسمّرة على آزاد حسن وشقيقه ‏ورجلين آخرين‎.‎

نظر حسن إلى الناس من حوله، وفق ما يروي، بهلع، بينما دقّات قلبه ‏تقرع بقوة‎.‎

ويقول لوكالة "فرانس برس": "كأنما كانوا مستأنسين بالمشهد، كأنها ‏مبارة كرة قدم بين ريال مدريد وبرشلونة‎".‎

لكن الحقيقة كانت مختلفة تماما، ومأسوية‎.‎

ويتابع حسن (29 عامًا) "قطعوا أيدينا"، موضحا أن عقابه جاء نتيجة ‏خلاف مع صاحب فرن كان ينتمي إلى التنظيم‎.‎

لم تتوقف معاناة العائلة هنا، إذ إن التنظيم اعتقل أحد أشقاء حسن ‏وثلاثة من أقاربه، ولا يزال هؤلاء مفقودين حتى الآن، بحسب قوله‎.‎

ويضيف طالب الماجستير باللغة العربية في جامعة الحمدانية "أرادوا ‏كسري، لكنهم خسئوا وخابوا‎".‎

ويتابع الأب لطفل يبلغ سبعة أعوام "أرتاد اليوم الجامعة وأمارس كرة ‏القدم وأقود سيارة إلى حدّ كبير"، معتبرًا أن سلاحَي محاربة التطرف ‏الإسلامي هما "العلم والمعرفة‎".‎

ورغم أنه لا يزال يشعر "بأثر الجرح"، يقول حسن الذي بات اليوم ‏ناشطًا في مجال الدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ‏والمفقودين، "هناك إرادة لمكافحة هذه الأشياء السلبية الموجودة ‏بداخلي‎".‎
 

صاحب محل الموسيقى‎ ‎
في شارع الدوّاسة التجاري، يروي صاحب متجر "تسجيلات الربيع" ‏للأسطوانات الموسيقية عمار طه خضر (50 عامًا) كيف أنقذ أرشيفه ‏الموسيقي، من أسطوانات وأشرطة مسجّلة وأجهزة يعود عمرها إلى ‏الثلاثينات والأربعينات، من أيدي الجهاديين فور دخولهم المدينة‎.‎

فبعد إخراجها من المتجر إلى المنزل، اتفق مع سائق شاحنة مواد ‏غذائية لنقل الأرشيف إلى بغداد‎.‎

ويقول "خبّأنا الصناديق خلف المواد الغذائية"، مضيفًا أنه لم يشعر ‏بالارتياح إلّا حين "تمكّن من إبعاد الأرشيف عن الخطر‎".‎

زار الجهاديون متجر خضر مرة واحدة فقط، وكان قد حوّله إلى محل ‏لبيع الألبسة المستعملة "للتمويه"، وفق قوله‎.‎

ظنّ خضر أن "المسألة لن تطول سوى شهرين او ثلاثة"، فقرّر البقاء ‏مع والديه في المدينة. لكن هزيمة الجهاديين لم تأت سوى بعد ثلاث ‏سنوات‎.‎

سارع خضر بعدها لترميم متجره الذي أسّسته العائلة في العام ‏‏1968، معيدًا إليه هويته الأساسية‎.‎

ويقول "أعتبر هذا المحل صيدلية نعطي فيها لكلّ زائر علاجا‎".‎

ويجد زبائن المتجر اليوم أشرطة تسجيل أقدمها يعود للعام 1917، ‏ليس فقط لفنانين عراقيين وعرب إنما كذلك لموسيقيين عالميين مثل ‏باخ وبيتهوفن‎.‎

وتزيّن الجدران صور مطربين وملحنين مشهورين عراقيين وعرب ‏من أم كلثوم إلى عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب‎.‎

ويتابع "عانت المدينة" كثيرًا، لكنها "ستزهو بأبنائها وهي معروفة ‏بعمقها التاريخي، مدينة المؤرخين والمثقفين والعلماء‎".‎
 

القاضي‎ ‎
غادر القاضي أحمد الحريثي (60 عامًا) مدينته الموصل قبل يومين ‏من دخول تنظيم الدولة الإسلامية، وانتقل إلى العاصمة بغداد‎.‎

لكن ما هي سوى فترة قصيرة حتى اعتقل الجهاديون والده وشقيقيه، ‏ثم ما لبثوا أن أعدموا الأصغر سنا في "ساحة عامّة بالسيف" حين ‏كان يبلغ 17 عاما فقط‎.‎

ويقول القاضي لوكالة "فرانس برس" في مكتبه في الموصل "بثّوا ‏صوراً له على مواقعهم. كان يفتخرون بمثل هذه الأعمال‎".‎

بعد هزيمة التنظيم، حاكم الحريثي "المئات من الإرهابيين". ‏
 

في العام 2019، أصدر حكما بالإعدام بحق 11 فرنسيا "تمّ ترحيلهم ‏من سوريا إلى العراق (...) بعدما اعترفت غالبيتهم بانتمائهم إلى ‏تنظيم داعش الإرهابي وبقيامهم بأعمال إرهابية"، على حدّ قوله‎.‎

ويضيف "الأدلة كانت كافية ومباشرة وواضحة". وقد وجّهت إليهم ‏اتهامات بتنفيذ هجمات في البلدين والتخطيط لهجمات أخرى في ‏باريس وبروكسل، وما زالوا مسجونين في العراق‎.‎

وأصدرت المحاكم العراقية مئات أحكام السجن بالمؤبد والإعدام في ‏السنوات الأخيرة بحقّ أشخاص أدينوا بـ"الإرهاب" في محاكمات ‏اعتبرت منظمات حقوقية أنها حصلت على عجل‎.‎

ويتابع الحريثي "لم أشعر أنني تأثرت سلباً تجاه المتهمين"، مضيفًا ‏‏"كنت أتعامل مع الموضوع بحيادية كبيرة". ‏

عاد الحريثي إلى الموصل في 2020، وبات نائبا لرئيس محكمة ‏استئناف نينوى. ويقول "كان الوضع مأساويًا (...) لم أعرفها وكأنني  ‏أدخل إليها لأوّل مرة". ‏
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium