أربكت الأعمال التخريبية التي استهدفت علامات ووكالات تجارية أميركية، في العاصمة العراقية بغداد، مؤخراً، المشهد الأمني، وانعكست تداعياتها على الحياة اليومية للبغداديين، فيما يقرأها مراقبون على أنها رسالة إلى حكومة محمد شياع السوداني التي تحاول توفير أجواء آمنة وبيئة استثمارية مريحة أمام الشركات العالمية.
وخلال الأيام العشرة الأخيرة، كرر أشخاص مجهولون مهاجمة فروع العلامات التجارية الأميركية في مناطق بغداد المختلفة، لثلاث مرات، ما أدى إلى إغلاقها تماماً. وشهدت شوارع بغداد في اليومين الأخيرين انتشاراً مكثفاً للقوات الأمنية التي كثّفت إجراءات التفتيش والتدقيق، في ظل اختناقات مرورية ضاغطة.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية، الثلاثاء والأربعاء، القبض على مجموعة متهمين بالاعتداءات التي طالت عدداً من مطاعم "كي أف سي" والوكالات الأجنبية في مناطق متفرقة من العاصمة، مشيرة إلى أن بعض المخربين ينتمون لأحد الأجهزة الأمنية.
الحكومة تدفع الثمن!
يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر إسكندر وتوت إن "التجاوز على المطاعم لا تسمح به السلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية"، مضيفاً أن هذه الهجمات دليل على أن الحكومة تعمل بشكل صحيح، و"نجاحها أضرّ بالجهات المنفذة لتلك الأعمال التخريبية".
ويدعو وتوت في حديث لـ"النهار العربي" القائد العام للقوات المسلحة، السوداني، ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري إلى ردع تلك المجاميع الإرهابية، باعتبار أن أمن البلد خطّ احمر.
ويشير إلى أن الداخلية أحالت الأشخاص المتهمين الذين ألقت القبض عليهم مؤخراً إلى المحاكم المختصة وفق المادة 4 إرهاب.
جهات متضررة من استتباب الأمن
ويقلل الباحث في الشؤون الاقتصادية مصطفى أكرم حنتوش من مخاطر تلك الأعمال على حركة الاستثمار التي نشطت أخيراً في البلاد، قائلاً إن "العراق قطع أشواطاً كبيرة في تثبيت الأمن في عموم المحافظات، وأخذت عجلة الاقتصاد والتنمية تدور، الأمر الذي لم يرُق للبعض".
ويقول حنتوش في حديث لـ"النهار العربي" إن الشارع العراقي يثق بأجهزته الأمنية، وهذه الخروقات يمكن أن تسيطر عليها الحكومة، كونها يمكن أن تحصل في أي دولة بالعالم.
ويرى المحلل السياسي والأكاديمي ياسين عزيز أن الهجمات الأخيرة التي طالت مصالح غربية في بغداد "تحاول الإساءة لحكومة السوداني، التي وقعت على اتفاق اطار استراتيجي مع الولايات المتحدة، يستهدف حفظ المصالح الأجنبية. وبالتالي على السوداني والقيادات الأمنية أن تمنع تكرار هذه الهجمات، لأنه في حال تكرارها ستؤثر على مساعي الحكومة في جذب الاستثمار، وفتح باب التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع دول العالم".
ويشير عزيز في حديث لـ"النهار العربي" إلى أن الجميع يعرفون من هي مرجعية هذه الجماعات، "لذا على السوداني الضغط عليها سياسياً لردع أجنحتها العسكرية، كما فعل في موضوع إيقاف الهجمات على القواعد والمصالح الأميركية والممثليات الدبلوماسية الأجنبية في العراق".
وفي السياق ذاته، يذهب المحلل السياسي محمد زنكنة إلى أن استهداف العلامات والوكالات التجارية الدولية "يعكس مخططاً سياسياً ظاهره دعم القضية الفلسطينية وباطنه ضرب الحكومة العراقية".
وينصح الجهات التي تقف وراء تلك الهجمات باللجوء إلى خيار المقاطعة بدلاً من خيار "النعامة"، أي "القيام بأعمال إجرامية تحرج الحكومة أمام المجتمع الدولي".
ويلخّص زنكنة ما حصل بأنه يعكس "ضعف الحكومة العراقية في حفظ الأمن والاستقرار"، مشيراً إلى أن الجهات التي قامت بتلك الأعمال "تريد أن تبعد العراق عن الاستثمارات الأجنبية، كي تحل محلها".
رسالة من مواطن بصري
وفي مقطع فيديو تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي، الأربعاء، من أمام فرع وكالة "تشيلي هاوس" في محافظة بالبصرة، قال مواطن عراقي: "متى تتركون ألاعيبكم، قد دمرتم الشباب العراقي! إذا كنتم تريدون محاربة إسرائيل، فتلك هي السفارة الأميركية في بغداد، إذهبوا إليها وأخرجوا المحتل. كما أن الأميركان يتمركزون في المنطقة الخضراء، يمكنكم الذهاب إليهم".
وتابع، "إذا تريدون الجهاد، اذهبوا وجاهدوا بأنفسكم، وإلا لماذا تركبون السيارات الأميركية وتستخدمون الهواتف الأميركية والسلاح الأميركي، من ثم تأتون علينا؟".
وكان العشرات تظاهروا أمام مطاعم "تشيلي هاوس" في شارع السعدي بمحافظة البصرة، مطالبين بإغلاقه كنوع من المقاطعة للمنتجات والبضائع الأميركية.
ورفع المتظاهرون لافتات تحمل دلالات المقاطعة لعدد كبير من البضائع الأميركية.