أحيا الإسلاميون في تونس الخميس 6 يونيو (حزيران) الجاري الذكرى 43 لتأسيس حركتهم، والتي تأتي هذا العام في ظل ظروف استثنائية تعيشها البلاد كانوا في صدارة المتأثرين بها.
ولم تعقد الحركة الإسلامية أي مؤتمرات صحافية واكتفت بإصدار بيان، إضافة إلى منشورات على حساباتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في مؤشر إلى الأزمة الكبيرة التي يمر بها الحزب الذي كان قبل نحو عامين من أقوى الأحزاب الحاكمة في تونس.
وفي بيانها الجديد بمناسبة الذكرى 43 لتأسيسها استعرضت الحركة تاريخها منذ لحظة التأسيس، وصولاً إلى ازاحتها من الحكم في 2021 بمقتضى التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، وما تبع ذلك من أحداث، داعية من سمتهم مكونات الحركة الديموقراطية إلى "تجاوز المناكفات الإعلامية والسياسية، وإعادة قراءة متطلبات المرحلة من أجل تحويل الانتخابات الرئاسية القادمة الى فرصة لاستعادة المسار الديموقراطي".
ومنذ 25 تموز (يوليو) 2021 تعيش حركة "النهضة" والإسلاميون التونسيون عامةً أزمة كبيرة تضع مسألة استمرار وجودهم في البلد على المحك.
ويخضع الصف الأول من القيادات في صفوف الحركة إلى الملاحقة القضائية، فيما تم توقيف عدد بارز منهم في مقدمتهم زعيمها التاريخي راشد الغنوشي الذي يواجه تهماً متعلقة بالإرهاب وتبييض الأموال، ورئيسها بالنيابة منذر الونيسي بقضية جريمة قتل، وعدد من وزرائها السابقين منهم رئيس الحكومة السابق علي العريض ووزير العدل السابق نور الدين البحيري، إضافة إلى عدد من نوابها السابقين ورجال الأعمال المحسوبين عليها.
البدايات
وتاريخياً هذه ليست الأزمة الأولى التي يعيشها الإسلاميون في تونس منذ ظهورهم في سبعينات القرن الماضي مع حركة الاتجاه الإسلامي التي تغيرت في مرحلة تالية لتحمل اسم "حركة النهضة"، إذ كان جل نشاطهم في السرية ولم تخرج حركتهم حديثاً إلى النور إلا بعد إطاحة نظام زين العابدين بن علي في 2011 والانتخابات التي قادتهم مباشرة للحكم في العام نفسه.
قبل أكثر من 50 سنة وتحديداً في عام 1969 بدأ الإسلاميون التونسيون التفكير في تأسيس حركتهم، وكان اجتماعهم الأول في عام 1972 وانبثقت عنه حينها "الجماعة الإسلامية" التي اقتصر نشاطها على الجانب الدعوي في المساجد، وهو ما تقبلته السلطات بالترحيب معتبرة أن وجود جماعة إسلامية سيساعدها في معركتها ضد اليسار الذي تغلغل في البلاد حينذاك.
وظلت الجماعة، وكان الغنوشي من مؤسسيها، تنشط سراً ونظمت مؤتمرها التأسيسي عام 1979. وفي عام 1981 نظمت مؤتمرها الثاني وغيرت اسمها من "الجماعة الإسلامية" إلى "حركة الاتجاه الإسلامي" وقررت الخروج من السرية إلى العلنية.
وفي 6 حزيران 1981 عقد الغنوشي مؤتمراً صحافياً أعلن فيه عن تكوين الحركة وتقدم بطلب رسمي للحصول على ترخيص رفضته السلطات، وقامت باعتقال ومحاكمة عدد كبير من قياداتها بسبب عدد من التفجيرات وأعمال العنف التي شهدتها البلاد وكانت من تخطيطهم.
وبعد عام 1987 تاريخ وصول بن علي للحكم، لم يتغير وضع الإسلاميين كثيراً في تونس، إذ ظل نشاطهم محظوراً إلى حين سقوط نظامه في عام 2011.
من السرية إلى الحكم
إثر أول انتخابات تلت حوادث 2011 تصدر الإسلاميون المشهد، لكن هذا الفوز الذي نزع عنهم للمرة الأولى جلباب المظلومية ووضعهم مباشرة في واجهة الحكم، كشف فشلهم في إدارة البلد بعدما تفردوا بالحكم، وفق تقدير خبراء في الشؤون السياسية.
ورغم كل محاولاتها تقديم نفسها كحزب ديموقراطي مدني، ظل ماضي الحركة القائم على العنف والرغبة في أسلمة المجتمع التونسي يلاحقها، وكان سبباً في مواجهتها لمعارضة شرسة من مكونات المشهد السياسي الأخرى في البلد.
وطيلة عشر سنوات من حكم "النهضة" لم تعش تونس حالة استقرار على جميع المستويات، بل إن الوضع الأمني فيها تدهور تدهوراً ملحوظاً بسبب تنامي خطاب التيارات المتطرفة، وعاش البلد على وقع العديد من عمليات الاغتيال والإرهاب راح ضحيتها سياسيون ورجال أمن وعسكريون وسياح.
هل تستمر "النهضة"؟
خلق الصراع والصدام بين الحركة وبقية الأحزاب السياسية أزمة في الحكم فاقمت مصاعبه الاقتصادية والاجتماعية، وانتهت بإعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية التي أبعدت الإسلاميين من جديد عن الحكم، ولتبدأ معها صفحة جديدة في تاريخهم يعتقد مراقبون أنها تضع استمرارهم في البلد على المحك، خصوصاً مع تراجع شعبيتهم وارتفاع بعض الأصوات المنادية بحلّ تنظيمهم، فيما يلاحق القضاء قياداتهم بتهم خطيرة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
ويقول الباحث الجامعي في التاريخ محمد ذويب لـ"النهار العربي" إن "حركة النهضة" لم تنته ولن تنتهي رغم أن قياداتها لم تعتذر عما حصل في تونس خلال العشرية التي تولت فيها السلطة، كما أنها لم تقم بأي مراجعات فكرية، ولكنه يؤكد أيضاً أنها "لن تعود للزخم نفسه الذي كانت عليها خصوصاً في 2011 و2012".
وفي تقديره "تفتقد الحركة اليوم العقل العقلاني والبارد والمتواضع الذي يعتذر من التونسيين ويزيح الوجوه القديمة ويضع أخرى جديدة لم تتشوه ولم تتلوث خلال فترة الحكم".
ويعتبر ذويب أن مسيرة نصف قرن من وجود "النهضة" في تونس سواء في الحكم أو في المعارضة مختلفة تماماً، فـ"نهضة" السبعينات والثمانينات والتسعينات ليست نفسها نهضة السنوات الأولى لثورة 2011، أي قبل التحالف مع حزب "النداء"، كما أن "نهضة" تلك الفترة ليست "نهضة 2015 -2021" فـ"ثمة تغيير كبير في مستوى الخطاب والتكتيك وحتى المظهر".
ويلفت إلى أن "نهضة" القرن الحالي "أقل عنفاً وأكثر عقلانية ولكنها فشلت سياسياً في الحكم، وهي تدفع الآن ثمن هذا الفشل"، معتبراً أنها "لم تنجح في افتكاك مكانها في وجدان التونسيين لأنها لم تقدم لهم ولثورتهم ولبلدهم أي شيء، بل إنها استلمت بلداً في حالة ثورة فأهدرتها، وأزّمت أوضاعها وحكمت بنوع من التعالي واتسم خطابها بالازدواجية والتناقض مع الواقع، وكل هذه الأخطاء جعلتها تفقد مقبوليتها وتنتهي إلى ما هي عليه اليوم".
وعن مستقبل الإسلام السياسي في تونس مع تراجع الحركة يقول إنه "بشكله القديم لن يعود، ولكنه قد يتخذ شكلاً آخر أقرب لواقع التونسيين وأكثر ملائمة لهم، وهذا المشروع هو الذي قد تقبل به القوى الإقليمية والدولية الفاعلة والمحددة في المشهد السياسي والحكم في تونس". ويرى أن" الغرب لن يراهن مرة أخرى على النهضة بشكلها القديم أو الإسلام السياسي القديم".
وتوقع أن تظهر أجسام جديدة تنهل من الأدبيات نفسها لكنها لن تعتمد الخطاب ذاته.
ويشدد ذويب على أن اندثار الإسلام السياسي في تونس هو "نتيجة لفشل هذا التيار وهو قرار شعبي قبل أن يكون قراراً سياسياً، فحتى لو لم يقم قيس سعيّد بإزاحتهم من السلطة كان الشعب سيجهز عليهم بالصندوق في أول انتخابات".