احتفل الأردن، أمس الأحد، بمناسبة اليوبيل الفضي لتسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية وجلوسه على العرش في التاسع من حزيران (يونيو) قبل 25 عاماً، في مسيرة سبقها وظل متواصلاً فيها التحدي الأبرز الذي تواجهه المملكة، وهو الحفاظ على استقرارها وسط محيط وإقليم تشتعل فيه الحروب والأزمات، الأمر الذي ألقى من جهة أخرى بظلال ثقيلة على اقتصاد البلاد والمستوى المعيشي للمواطنين.
وعمّت المظاهر الاحتفالية أنحاء المملكة على مدى الأيام الماضية، وكانت الحكومة أعلنت يوم الأحد عطلة رسمية للاحتفال بالمناسبة التي يُعبّر فيها الأردنيون عن تأييدهم الواسع لنهج الملك في إدارة البلاد ومسيرة الإصلاح والتطوير التي يقودها منذ توليه الحكم، في وقت ينظرون منذ تأسيس الدولة إلى العائلة الهاشمية بوصفها "صمام أمان" لاستقرار مؤسسة الحكم وبالتالي استقرار البلاد.
مسيرة التنمية والتطوير
وعلى مدى الـ25 عاماً الماضية، حقق الأردن كما تقول لـ"النهار العربي" أستاذة العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية شذى الليالي العيسى، العديد من الإنجازات التي أحدثت فرقاً لافتاً في مسيرة التنمية والتطوير على المستويات كافة، رغم أن المملكة واجهت ولا تزال تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية بسبب تفاقم النزاعات المحيطة بها ومحاولات استهدافها وزعزعة أمنها واستقرارها.
وتضيف أن "جلالة الملك استطاع بفضل سياساته الحكيمة والمتوازنة على المستوى الإقليمي والدولي والالتفاف الشعبي حوله وحول مواقفه، بالإضافة إلى جهوده ورؤاه البارزة لتحقيق مفاهيم الأمن والسلام، أن يجعل الأردن محط احترام العالم واهتمامه ودعمه، من خلال تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول الكبرى بما يضمن دوراً حيوياً وقوياً للأردن على الساحة السياسية الدولية".
وتستذكر العيسى بعض المحطات البارزة التي شهدها عهد الملك عبدالله الثاني، مشيرة إلى انتفاضة الأقصى عام 2000، والاحتلال الأميركي للعراق في 2003، وما عرفت بـ"تفجيرات عمّان" عام 2005، وأحداث الربيع العربي في 2011 وخصوصاً الأزمة السورية، و"يتخلل هذا كله العديد من الأحداث في الأراضي الفلسطينية التي تؤثر بشكل كبير على الأردن، آخرها ما يشهده قطاع غزة حالياً من عدوان إسرائيلي همجي".
وقبل ما يزيد على 3 أعوام، شهد الأردن حدثاً ساخناً يتعلق باستقرار نظام الحكم، عندما تم الإعلان عن إحباط مخطط يقوده الأمير حمزة الأخ غير الشقيق وشخصيات أخرى بارزة، في ما عُرفت بـ"قضية الفتنة" التي أدين المتهمون فيها بـ"مناهضة نظام الحكم وإحداث الفتنة والتحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم بالمملكة، والقيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة".
داخلياً، تؤكد العيسى أن "الملك سعى دائماً إلى توحيد الصف الأردني حول فكر معتدل ومستنير بعيد عن التطرف والجهل والتبعية، وعزز هذه المبادئ من خلال التعديلات الدستورية المتكررة والتي شملت كل جوانب الحياة بما يضمن حرية وكرامة الأردنيين، فضلاً عن الجهد اللافت والكبير في التحديث والتطوير الإداري والسياسي والاقتصادي، والاستثمار في رأس المال البشري والكفاءات الأردنية، والاهتمام بتمكين فئتي الشباب والمرأة".
"حلول مستدامة لا اكتفاء بإدارة الأزمات"
ويعد الملف الاقتصادي واحداً من أبرز الملفات التي تضاف إلى التحديات الرئيسة التي تواجهها المملكة، وسط اعتماد على قروض البنك الدولي والمساعدات الخارجية، مع ارتفاع المديونية ونسب البطالة، وتدهور الأوضاع المعيشية والقدرة الشرائية.
ومنذ جلوس الملك عبدالله الثاني على العرش، يقول الكاتب والمحلّل الاقتصادي سلامة الدرعاوي إن "الأردن تعامل مع الأزمات الاقتصادية بتطبيق رؤية استراتيجية تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة بدلاً من الاكتفاء بإدارة الأزمات فقط. وبدأت الجهود بتعزيز الإصلاحات والتحديث الاقتصادي، مما أسهم في نمو الاقتصاد الأردني وتعافيه خلال العقد الأول من عهد الملك".
بعد ذلك، يضيف الدرعاوي لـ"النهار العربي"، "اتجه الأردن نحو التحديث الشامل في العقد الثالث، مع التركيز على تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وإدارة العجز في تغطية النفقات العامة من الإيرادات المحلية. وهذا النهج ساعد الأردن على الحفاظ على قوة الدينار الأردني على الرغم من التحديات الخارجية".
ويشير إلى أن "الملك عبدالله الثاني يوجه الحكومة وبشكل مستمر لبذل جهود كبيرة لمواجهة الأزمات الاقتصادية من خلال تبني سياسات إصلاحية وشاملة. وشملت هذه الجهود تعزيز الاعتماد على الذات، وتحفيز النمو الاقتصادي عبر الإصلاحات الاقتصادية، ودعم القطاعات الحيوية مثل القطاع الصناعي والخدمات العامة"، لافتاً إلى أن "الملك ركز في كثير من الأحيان بتوجيهاته على تنمية المحافظات من خلال إنشاء المناطق الاقتصادية والتنموية والصناعية، ما أدى إلى توزيع زخم التنمية بشكل أكثر توازناً".
العاهل الأردني وأسرته
صورة الأردن الخارجية
أما على الصعيد الدولي، فيرى الدرعاوي أن "الملك نجح في تحسين صورة الأردن الخارجية وتعزيز العلاقات الدولية، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية وتنويع مصادر الطاقة والاستثمار في الطاقة المتجددة".
واعتبر أن "توجيهات الملك عبدالله الثاني أدت دوراً محورياً في تحسين الواقع الاقتصادي والاستثماري والمعيشي للأردنيين من خلال تعزيز سياسات الاعتماد على الذات وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة. فالإصلاحات التي تبناها الأردن أدت إلى نمو القطاع الصناعي وزيادة معدلات التصدير، خاصة إلى السوق الأميركية، كما نجح في الحفاظ على استقرار الجهاز المصرفي، مما أدى إلى معدلات تضخم منخفضة ومستويات مريحة من الاحتياطيات الأجنبية".
ووفق الدرعاوي، فإن "الملك يوجه دائماً إلى العمل على تحسين بيئة الأعمال، وتقليل البيروقراطية، وتعزيز الابتكار، وتطوير الموارد البشرية، مما ساهم في خلق فرص عمل جديدة. وكان للتركيز على التعليم والتدريب المهني وتشجيع ريادة الأعمال دور كبير في تعزيز قدرات الأردن على مواجهة التحديات الاقتصادية".