أصاب اجتماع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع آمر لواء "أنصار المرجعية" حميد الياسري المراهنين على "شرارة" احتجاجات في جنوب البلاد بالإحباط.
وتتداول منذ أيام عبر منصات التواصل الاجتماعي دعوات إلى تظاهرات توحي بصيف ساخن، بعد بيان للياسري طالب فيه بإرسال حاكم عسكري إلى المحافظة "وطرد الفاسدين" من مجلسها.
وكان الياسري معتمداً لدى المرجعية الشيعية في قضاء المثنى قبل التحاقه بالقتال ضدّ "داعش"، ومع أن علاقته بالمرجعية لا تزال وطيدة، إلا أنه لم يعد يمارس مهمات رسمية ذات علاقة بها، وفق مصادر محلية.
وتعد المثنى الجنوبية من المحافظات الغنية بالمواد الأولية وذات موقع زراعي مهم، فضلاً عن وجود مناطق استكشافية للنفط والغاز، ومع ذلك تتصدر لائحة المحافظات الأشد فقراً بنسبة تفوق الـ50 في المئة، ناهيك بسوء الواقع الخدمي.
وتوعد الياسري قبل أيام بتنفيذ اعتصام في المحافظة وإعطاء مهلة تنتهي يوم الأربعاء لـ"طرد الفاسدين من المحافظة ومجلسها".
ورداً على اتهامات طاولته، قال الياسري: "دعوتي إلى وضع حد للفساد في المحافظة وكل مناطق الوطن لم تكن وليدة اليوم حتى يتهموني بطلب مصلحة أو مداراة جهة دون أخرى. أمضيت عمري أحارب الفساد والفاسدين، واسألوا كل أبناء الحراك الشعبي في المحافظة وكل العراق ما كان دوري معهم"، مضيفاً: "بدعوتي هذه أمثل نفسي كمواطن سماوي يشعر بشعبه ولم تكن بتوجيه من أي جهة دينية أو سياسية أو شعبية، دعوة شخصية هدفها مواجهة الفساد والفاسدين".
وتلقى الياسري كما ذكر في بيانه "أشكالاً من المساومات والتهديدات والإغراءات"، رد عليها بقوله: "أنا عراقي والعراقي لا يسرق ولا يخون شعبه".
وقال الياسري إن تحركه سيكون "ضمن الدستور والقانون وتحت حماية القوات الأمنية في خطوات عدة، أولها أن يتم الانطلاق يوم الأربعاء وهو نهاية المهلة لطرد الفاسدين، والاعتصام أمام مبنى المحافظة ومجلس المحافظة وبناء الخيم والسرادق وبكل هدوء، وإعلان أن المحافظ ومجلس المحافظة لا يمثلان الجماهير ويعملان لأحزابهما فقط".
وبعد بيان الياسري بساعات رد محافظ المثنى مهند العتابي قائلاً: "يؤسفنا ما اطلعنا عليه في مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك) من المطالبة والدفع نحو تظاهرات لأسباب توجب الاستقصاء، وتجعل أصحابها أمام واجب الإدلاء بمعلوماتهم إلى القضاء العراقي ومؤسساتنا الرقابية كهيئة النزاهة؛ لأن ما جاء فيها خطير، وفيها معلومات يجب أن تعطى للأجهزة الأمنية كي تتخذ دورها"، مضيفاً: "أما جعلها مادة للرأي العام، فهذا ما يجعل الفاسدين أمام فرصة الهروب أو الاستعداد لدفع التهم".
وحذر المحافظ من الدعوات إلى وضع المحافظة تحت إدارة حاكم عسكري، معتبراً أن "فيها من الخطورة ما فيها، وتجعل أصحابها أمام مسؤولية الإفصاح والكشف عما لديهم من أسباب تدفعهم إلى دعوات كهذه". وقال إن "من يطالب بها هو عنوان مهم لدينا ظننا به الشجاعة للإفصاح عن الأسماء من دون التلميح إليها وكشف تلك الملفات، ونحن نتكفّل بإنفاذ الشكوى وإيصال المعلومات إلى الجهات التي لن تتأخر عن المحاسبة حتى نضرب بيد من حديد من دون أي تأخير".
ومنصب محافظ المثنى الحالي من حصة "حزب الفضيلة" الإسلامي الذي تراجعت شعبيته في العراق، خصوصاً بعد الانتخابات التشريعية (2021) والمحلية التي أجريت أخيراً.
ويقول المراقب السياسي محمد علي الحكيم إن "دعوة آمر لواء أنصار المرجعية إلى التظاهرات بوجه الفاسدين هي منعطف جديد قد نشهده برعاية قريب إلى المرجعية التي أغلقت أبوابها بوجه الفاسدين منذ سنوات من دون نتائج إيجابية، ومن دون تعديل مسار أعمال السياسيين الذين استمروا بفسادهم رغم غلق أبواب المرجعية في وجوههم".
ويعتقد الحكيم في حديث لـ"النهار العربي" أن "دعوة الياسري قد تتوسع رقعتها في المحافظات الجنوبية لتصل إلى بغداد، لذلك من غير المستبعد أن نشهد سيناريو عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء الأسبق) مرة أخرى ينفذ على حكومة محمد شياع السوداني إذا توسعت رقعة التظاهرات".
والفرق بين التظاهرات التي دعا إليها الياسري وتظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) 2019 التي أطاحت عبد المهدي، هو القيادة، بحسب قول الحكيم الذي لم يستبعد انضمام "قوى تشرين" السياسية والشعبية والجماهير الصدرية إلى "تظاهرات المثنى".
وينتقد الحكيم مقالة للباحث السياسي المقرب من تحالف "الإطار التنسيقي" أياد السماوي هاجم فيها الياسري بالقول: "إن ما تحدّث به المعمم (حميد الياسري) لا يمثّل انحرافاً فكرياً وعقائدياً عن عقيدة شيعة أهل العراق في الحسين وثورته ومبادئه التي جاءت للإنسانية جمعاء، بل بما يحمله هذا الخطاب المنحرف من تشويه للحسين وثورته".
ويرى الحكيم أن "مقالة السماوي الذي يعمل بصفة مستشار في حكومة السوداني تعتبر استهدافاً مباشراً للمرجعية الدينية لأن هناك خشية لدى السياسيين والأحزاب والقوى السياسية من دعوات الياسري".
أما الكاتب السياسي العراقي صالح الحمداني فيؤكد أن "الطريق مفتوح للياسري إذا استمر في دعوته في المثنى باتجاه بقية المحافظات التي تعاني سطوة الفساد، وتفتقر إلى أبسط الخدمات من مياه صالحة للشرب، ورعاية صحية، ومجاري صرف صحي، ومدارس، وبيئة خالية من التلوث وأمان".
ويقول الحمداني لـ"النهار العربي" إن "الياسري أطلق تحذيراً إلى الأحزاب السياسية الحاكمة لتعديل أوضاعها، لجهة الابتعاد عن عقلية توزيع الغنائم باتجاه الوطنية والنزاهة وتحمل المسؤولية كرجال دولة، وتحذيره هذا لم يأت من فراغ بل جاء في الوقت المناسب".
ويكمل أن "مظاهر الفساد أصبحت واضحة في المجتمع العراقي، والتقصير تجاه المواطن ومعيشته وحياته اليومية وأمانه، لا يحتاج إلى أدلة والعراق يتجه إلى التغيير وجميع السياسيين يدركون أنه آت لا محالة، لذلك فإن خطوة الياسري هي تحذير من داخل المنظومة الحاكمة، سيتبعها باعتقادي تحذير أخير سيأتي من الخارج، ثم سندخل إلى مرحلة لا يعلم إلا الله كيف ستنتهي".
فهل سيتراجع الياسري عن دعوته إلى التظاهر بعدما استقبله السوادني على رأس وفد من أهالي محافظة المثنى؟
عن تفاصيل اللقاء، قال الياسري إنه "كانت هناك لقاءات في العاصمة بغداد، الأول كان مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومثّل السماوة (عاصمة محافظة المثنى) 20 شخصية أكاديمية وعشائرية من كل أقضية المحافظة ونواحيها. وكانت المقررات: تشكيل لجنة من مكتب رئيس الوزراء للإشراف على كل مشاريع السماوة وعدم السماح للمحافظ وأعضاء مجلس المحافظة بالتصرف بالأموال، على أن يشرف ممثلو تظاهرات المحافظة على كل مشاريعها كجهة مساندة ومراقبة للدولة وبأمر يصدر من رئيس الوزراء".
وشملت المقررات كذلك تشكيل لجنة لكشف ملفات الفساد وهدر المال العام في السماوة منذ 2003.
وتوجه الياسري إلى جماهير المحافظة والعراق عموماً: "بما أننا نمثل الجماهير والشعب المحروم، ننتظر قراركم، هل نؤجل التظاهرات وإعطاء فرصة لما بعد العيد، أم نستمر في سحق رؤوس الأحزاب العفنة ومن يقف خلفها من حيتان الفساد؟".