شكل مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة الذي شهدته منطقة البحر الميت في الأردن أمس الثلاثاء، بتنظيم مشترك مع مصر والأمم المتحدة، خطوة محورية في إطار المساعي الرامية للحد من الكارثة الإنسانية في القطاع الفلسطيني المنكوب من خلال التوصل إلى توافق في الآراء بشأن التدابير العملية لتلبية الاحتياجات الفورية على الأرض.
وناقش المؤتمر الاستعدادات للتعافي المبكر، والسعي للحصول على التزامات باستجابة جماعية ومنسقة لمعالجة الوضع الإنساني في غزة، في وقت تتزايد حدة الأزمة الإنسانية على المستويات كافة في قطاع غزة، مع استمرار تعثر جهود التوصل إلى هدنة يتم بموجبها وقف إطلاق النار، وبالتالي استمرار العقبات والصعوبات أمام جهود الإغاثة.
واكتسب المؤتمر أهميته في سياق الضغوط الواجب ممارستها على إسرائيل، سعياً لإبراز ما آلت إليه الأوضاع بسبب إصرارها على مواصلة الحرب التي لا تزال تحصد أرواح المدنيين وتدمر سبل العيش.
وفي كلمته خلال المؤتمر الذي شاركت فيه 75 دولة، شدد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على أنه "لا يمكن لعملية إيصال المساعدات الإنسانية أن تنتظر وقف إطلاق النار أو أن تخضع للأجندات السياسية لأي طرف"، كاشفاً في الوقت ذاته عن "إمكانية استخدام طائرات عمودية ثقيلة لتأمين المساعدات على المدى القصير، وبمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار".
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف إطلاق النار في غزة، معرباً عن ترحيبه بمبادرة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن.
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فأكد أن حكومته أعلنت عن جاهزيتها لاستلام مهامها في قطاع غزة كما هو في الضفة الغربية بما في ذلك معابر القطاع كافة، داعياً في الوقت ذاته مجلس الأمن وأطراف المجتمع الدولي كافة إلى الضغط على إسرائيل من أجل فتح جميع المعابر البرية للقطاع، وتسليمها للحكومة الفلسطينية الجديدة.
من جهته، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه يجب "إلزام إسرائيل بإنهاء حالة الحصار والتوقف عن استخدام سلاح التجويع في عقاب أبناء القطاع وإلزامها بإزالة كافة العراقيل أمام النفاذ الفوري والمستدام والكافي للمساعدات الإنسانية والانسحاب من مدينة رفح".
مأسسة العمل الإقليمي والدولي
ومن وجهة نظر عميد كلية الأمير الحسين للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني، فإن "المؤتمر يهدف لمأسسة العمل الإقليمي والدولي في سياق التعاطي مع الحالة الإنسانية كحالة ملحة في غزة لا تحتمل انتظار وقف إطلاق النار".
ويضيف المومني لـ"النهار العربي" على هامش المؤتمر، أن الأردن "يرمي بكل ثقله منذ بداية الحرب لوقف تفاقم الأوضاع الإنسانية بالدرجة الأولى، ويعكس حديث الملك عن إمكانية استخدام طائرات عمودية ثقيلة لتأمين المساعدات ديناميكية السياسة الخارجية الأردنية وقدرة المملكة على التكيف مع الأحداث"، مشيراً إلى أن "المبادئ الأردنية والمصالح الوطنية الاستراتيجية هي ما يحرك السياسة الخارجية الأردنية وفيها فهم عميق".
المومني يتحدث إلى "النهار العربي".
ومع أن دور الأردن مركزي في القضية الفلسطينية، وفق المومني، إلا أنه يؤكد أيضاً أن "القضية الفلسطينية ليست قضية طرف واحد وهي من التعقيد لدرجة أنه لا يستطيع طرف واحد أن يحمله، لذلك لطالما كان الأردن حريصاً على أن يكون هناك جهد تنسيقي وتكاملي عربي إقليمي في سياق دول الجوار والدول الإسلامية، ودور دولي في سياق الشركاء والأطراف الأكثر فاعلية في المشهد السياسي الفلسطيني".
ويقول: "ثمة ما يجعل القضية الفلسطينية بالنسبة للأردن قضية داخلية، ذلك أنها تلامس حقيقة المصالح الوطنية الاستراتيجية الأردنية، بالإضافة لعوامل متعلقة بالقرب الجغرافي والقرب الاجتماعي، ما جعل الأردن الأكثر اشتباكاً بالقضية الفلسطينية".
وتطرق المومني إلى أنه "كان لدى الأردن استشراف واستقراء مبكر لما حصل بسبب 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وتنبأ الملك بذلك في خطاباته باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما تحدث عما يجري في الأراضي الفلسطينية وأنه سوف يؤدي لانفجار وسط غياب للحلول، وهو ما حصل بالفعل".
"المؤتمر يرفع الصوت عالياً"
ويرى الكاتب محمود الخطاطبة في حديث لـ"النهار العربي" أن "المؤتمر يرفع الصوت عالياً لضرورة اتخاذ إجراءات محورية تُحدث اختراقاً في الملف الإنساني بجميع أبعاده وتداعياته، وتوقف مسلسل القتل والدمار بالسرعة الممكنة".
الأمر الآخر وفق الخطاطبة هو "التركيز على ضرورة وصول المساعدات بشكل أكثر جدوى وكثافة، واتخاذ إجراءات حقيقية على الأرض تضمن وصول كل أشكال الإغاثة إلى قطاع غزة، وسط انهيار المنظومة الصحية وشح الماء والغذاء والدواء".
لكن التحدي الأبرز كما يقول الخطاطبة، هو "استمرار السلطات الإسرائيلية بتعنتها إزاء كل ذلك، وإدارة ظهرها للأصوات التي تنادي بوقف الكارثة الإنسانية"، مشيراً إلى أن "الموقف الدولي يجب أن يكون فاعلاً وضاغطاً بشكل أكبر وعدم ترك القرار لإسرائيل".
ماذا عن الموقف الأميركي؟
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر عارف الحديد أن ما تحدث عنه العاهل الأردني خلال المؤتمر بأن "أهل غزة لا يتطلعون إلينا من أجل الكلام المنمق والخطابات، بل يريدون إجراءات فعلية على أرض الواقع"، يلخص واقع الحال ويشير إلى ضرورة أن يلمس سكان القطاع فرقاً لافتاً على أرض الواقع في مستوى الإغاثة.
ويضيف الحديد لـ"النهار العربي" أن "إسرائيل لا تريد أن تسمع أي خطاب يعري سلوكها الهمجي بالقتل والتدمير، بل تريد أن تمارس المزيد من الضغط العسكري سعياً لتحقيق أهداف الحرب، وإن كان الأمر يتطلب وقوع المزيد من الضحايا والتدمير والتهجير".
لذلك، يقول إن "الولايات المتحدة هي أكثر القوى القادرة على التعامل مع إسرائيل والتأثير في قراراتها ومسارها في الحرب"، لكنه يعتبر أن "واشنطن لا تتعامل مع تل أبيب بجدية وإرادة كاملة، بل ظلت تدعمها عسكرياً ولا تزال"، مشدداً في الوقت ذاته على أن "الولايات المتحدة يجب أن تدعم الجهود العربية والدولية لجهة وقف المعاناة الإنسانية بشكل حقيقي مؤثر، وأن لا تكتفي برصيفها العائم".