تعيش تونس في الساعات الأخيرة على وقع تواتر الأنباء عن تسجيل عدد كبير من الوفيات والضياع في صفوف الحجاج التونسيين، مقابل تزايد الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الفاجعة.
وكانت السلطات السعودية أعلنت وفاة عشرات الحجاج من جنسيات مختلفة بسبب موجة الحرّ الشدبدة.
وأُعلن بداية بشكل غير رسمي عن وفاة وضياع العشرات من الحجاج التونسيين الذين قصدوا المملكة العربية السعودية خارج البعثة التونسية الرسمية، بمساعدة وكالات سفر غير مرخص لها وفق تأكيد العديد من المصادر، قبل تأكيد أن عدد الوفيات بلغ 35 وفق تصريحات رسمية نقلتها وكالة الأنباء الرسمية استناداً لمصدر رسمي بقنصلية تونس في جدة.
وكانت القنصلية نشرت الاثنين على حسابها على "فايسبوك" قائمة بأسماء عدد من الحجاج طالبة من عائلاتهم الاتصال بها دون تحديد السبب.
وأكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير في تصريح لـ"النهار العربي" أن المعطيات الأولية التي استطاع المرصد تجميعها تشير إلى تسجيل أكثر من 20 حالة وفاة و300 حالة ضياع.
وتابع مؤكداً أنه لا يمكن حالياً تقديم عدد دقيق لمن تُوفي أو فُقد، مضيفاً أن هناك اتصالات مع تونسيين مقيمين في السعودية ومع المستشفيات السعودية إضافة إلى العائلات في تونس لتحديد عددهم، مضيفاً أن المرصد تلقى اتصالات عديدة من تونسيين يؤكدون فقدانهم الاتصال بأقارب لهم في الحج.
ولا توجد معطيات رسمية بشأن عدد الحجاج من تونس الذين سافروا للحج خارج البعثة الرسمية التي تشرف على تأمينها ورعايتها وزارة الشؤون الدينية في تونس، لكن عبد الكبير يقدر عددهم بنحو 10 آلاف.
وعن كيفية سفرهم للحج يوضح أن أغلبهم سافر في إطار ما يعرف بالعمرة المطولة بعد الحصول على تأشيرة سفر سياحية، موضحاً أنهم "سافروا مع وكالات سفر لأداء العمرة وتخلفوا عن العودة، وفي المقابل تخلت عنهم هذه الوكالات التي سهلت سفرهم ولم توفر لهم من يساعدهم وأغلبهم من كبار السن، لذلك واجهوا صعوبات كبيرة خلال أداء مناسك الحج لعدم وجود مرافقين لهم، كما أن أغلبهم لا يحمل بطاقة بيانات".
حجاج تونسيون في الطائرة.
وبدوره يؤكد الصحافي التونسي المقيم في السعودية أنيس السحباني، وكان واحداً من المتابعين لهذه الحالات عبر نشر أسماء الحجاج المفقودين وصورهم، أن أغلبهم سافر إلى السعودية قبل موسم الحج بفترة، مضيفاً في حديث لـ"النهار العربي" أن هذه الظاهرة صارت لافتة في السنوات الأخيرة بالنسبة للحجيج التونسيين الذين يستأجرون بيوتاً متواضعة يقضون فيها الفترة الفاصلة بين أداء مناسك العمرة وموسم الحج.
ويشرح السحباني أنهم وعلى عكس الحجيج النظاميين لا يحملون بطاقة إرشادات تسهل تنقلهم وتمكن السلطات من مساعدتهم في حال ضياعهم أو تعرضهم لأي مشاكل، إضافة إلى أن أغلبهم من كبار السن الذين لا يجيدون التعامل مع التقنيات الحديثة على الهواتف المحمولة، ولم تكن لهم قدرة على تحمل ارتفاع درجات الحرارة القياسي هذا العام.
غليان وغضب
وأثار الإعلان عن وفاة عدد من الحجيج التونسيين حالة غليان على شبكات التواصل الاجتماعي، وأطلقت عائلات عدد منهم نداء استغاثة لمعرفة حقيقة الأنباء المتداولة بشأن ذويها.
وطالب عدد كبير من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي السلطات التونسية بالتحرك لمساعدة الحجاج المفقودين.
وعلى نطاق واسع نشر تونسيون مقيمون في السعودية أسماء وصوراً لحجاج تونسيين قالوا إنهم مفقودون، بناء على معلومات جمعوها بالاتصال بالمستشفيات السعودية.
ووضع عدد آخر أرقاماً لجهات رسمية سعودية يمكن التواصل معها للبحث عن المفقودين مع نشر قائمة بأسماء من تم التعرف إلى هوياتهم.
وانتقد كثيرون ما اعتبروه "لا مبالاة من السلطات" بوضعية هؤلاء، بدعوى أنهم لم يكونوا ضمن البعثة الرسمية لحجيج تونس.
لكن وزارة الشؤون الدينية أكدت في البداية أن جميع حجاج تونس بخير ويحظون بالعناية اللازمة، قبل أن تتراجع تحت ضغط الانتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي وتعلن صباح الاثنين، على لسان المنسق العام للبعثة التونسية الرسمية للحج حمادي السوسي، عن وجود حالات وفيات وضياع في صفوف حجيج تونس من غير النظاميين، معلنة عن تشكيل لجنة طوارئ للتواصل مع الجهات الرسمية في السعودية من أجل التعرف إليهم وتحديد أماكنهم.
دعوات للمحاسبة
وقال عبد الكبير إن السلطات تتحمل جزءاً من المسؤولية في ما حدث، موضحاً أنه "في النهاية هم تونسيون حتى وإن لم يكونوا ضمن البعثة الرسمية، ووجبت مساعدتهم ولا يمكن في مثل هذه الوضعية التمييز بين حاج نظامي وآخر غير نظامي".
وتساءل المتحدث كيف غضت السلطات الطرف عن وكالات السفر التي سهلت إجراءات سفرهم ولم تقم بتجميع المعلومات لمعرفة كم هو عدد المعتمرين المتخلفين.
وطالب النائب في البرلمان التونسي بدر الدين القمودي في منشور على "فايسبوك" بفتح تحقيق في ما وقع ومحاسبة المسؤولين عنه.
وكتب أنه "من الواجب محاسبة وكالات الأسفار التي أهملت حجيجنا... مؤسسات للتمعش والنهب وفاقدة لروح المسؤولية والوطنية ولا دين لها سوى المال".
غير أن عضو جامعة وكالات الأسفار سامي بن سعيدان نفى في تصريح لـ"النهار العربي" الاتهامات الموجهة للوكالات، مؤكداً أن السماسرة والدخلاء ممن يعملون بشكل غير قانوني دون تراخيص هم المسؤولون عمّا وقع.
وأوضح أن هؤلاء الحجيج هم ضحية محتالين استغلوا رغبتهم في أداء مناسك الحج مقابل غلاء تكلفته ومحدودية العدد المخصص لتونس.
ولفت إلى أنهم ينشرون إعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي على مرأى من الجميع يعلنون فيها قدرتهم على تسهيل عملية الحج بسعر أقل، مضيفاً: "هم من يتكفلون بتوفير التأشيرة للمعتمر وتأجير مسكن له إلى أن يحين موعد الحج"، مؤكداً أن "هؤلاء المحتالين تخلوا عن الحجيج غير النظاميين بعدما أدركوا وجود رقابة سعودية مشددة هذا العام وهو ما تسبّب في وفاة وضياع عدد كبير منهم".
وكانت تونس أقرت عام 2008 قانوناً خاصاً للعمرة في إطار سعيها للقطع مع ظاهرة التخلف عن العودة بعد أداء مناسك العمرة والبقاء بالبقاع المقدسة إلى غاية موسم الحج، حتى لا يكون الحاج عرضة للإجراءات التي أقرتها المملكة والتي تنص على معاقبة المتخلفين.
وتفرض بموجب هذا القانون خطايا على وكالات الأسفار التي لا تقوم بالإبلاغ عن المعتمرين الذين تخلفوا عن العودة تصل حد الإغلاق والسجن.