النهار

العراق ملتهب بلا طاقة... ودعوات إلى "ثورة الكهرباء" اليوم
بغداد--محمد الجبوري
المصدر: النهار العربي
يقول العراقيون إن تموز (يوليو) هو شهر الغليان، ويعنون بذلك حرارة الصيف الملتهب التي تؤدي إلى غليان شعبي في الشارع. فاليوم، يعيش العراقيون بلا كهرباء، في ظلّ درجات حرارة تدقّ باب الـ50.
العراق ملتهب بلا طاقة... ودعوات إلى "ثورة الكهرباء" اليوم
(تعبيرية)
A+   A-
يقول العراقيون إن تموز (يوليو) هو شهر الغليان، ويعنون بذلك حرارة الصيف الملتهب التي تؤدي إلى غليان شعبي في الشارع. فاليوم، يعيش العراقيون بلا كهرباء، في ظلّ درجات حرارة تدقّ باب الـ50. 
 
وبحسب المواطن العراقي "أبو فرحان"، الذي يسكن في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، لا تزيد ساعات التغذية بالتيار الكهربائي على ساعتين مقابل قطعه 6 ساعات متواصلة، "في حين يصل سعر الأمبير من المولدات الأهلية إلى 20 ألف دينار (15 دولاراً)". 
 
الشكوى نفسها في محافظة الديوانية، "فمحافظتنا تعاني من خراب كامل تفتقر إلى أبسط الخدمات"، كما يقول حسن عبد الحسين، مضيفاً: "نعيش اليوم من دون كهرباء. فالتيار ينقطع أحياناً 8 ساعات وأكثر، في مقابل ساعتين في هذا الجو الحار".
 
الوضع أخطر في محافظة ذي قار، حيث يستعد المواطنون إلى الخروج في تظاهرات ضدّ المسؤولين المحليين بسبب غياب التيار الكهربائي. وقد أطلقوا وسوماً عدة في مواقع التواصل الاجتماعي منادين بـ "ثورة الكهرباء"، وداعين محافظات جنوبية أخرى إلى مشاركتهم احتجاجاتهم.
 
وتزداد معاناة العراقيين حدةً في كل عام على الرغم من توقيع الحكومة العراقية مذكرات تفاهم عدة مع شركات أميركية في مجال الطاقة، لتأمين التيار الكهربائي للناس. فلماذا يحصل كل هذا في بلاد غنية بالنفط؟
 
 
إنفاق بلا جدوى
ارتفعت التخصيصات المالية لوزارة الكهرباء إلى 18.7 تريليون دينار (13 مليار دولار تقريباً) في موازنة عام 2024، "من دون أن يلاحظ العراقيون تحسناً في التغذية بالطاقة الكهربائية"، كما يقول كامل العكيلي، عضو لجنة الطاقة والكهرباء في البرلمان العراقي، لـ "النهار العربي"، علماً أن حجم الإنفاق على قطاع الكهرباء في العراق، منذ عام 2003، تجاوز  80 مليار دولار، وفق أرقام اقتصادية.
 
فأين تذهب هذه الأموال؟ يردّ أحمد موسى، المتحدث بلسان وزارة الكهرباء العراقية، تدهور التغذية الكهربائية أدّى إلى تهالك شبكات النقل والتوزيع في العراق والحاجة إلى صيانتها، "وهذا يستغرق وقتاً طويلاً"، كما يقول لـ "النهار العربي"، مضيفاً أن الحكومة العراقية رسمت خططاً استراتيجية لمعالجة هذه المشكلة الحياتية، غامزاً هو أيضاً من قناة التدخّلات السياسية. 
 
ويأتي الردّ على هذا الكلام من العكيلي، الذي يتهم وزارة الكهرباء بسوء الإدارة والتخطيط، مضيفاً: "إن الإخفاق في تعيين شخصية تحسن إدارة منظومة الطاقة في البلاد هو السبب في أزمة التيار الكهربائي"، مطالباً السوداني التدخّل عاجلاً في هذا الملف، وكاشفاً عن استضافة زياد علي فاضل، وزير الكهرباء العراقي، في بداية الفصل التشريعي البرلماني، لسؤاله عن أسباب تراجع التغذية بالطاقة الكهربائية.
 
مصائب قوم
ثمة وجه آخر للأزمة، مسكوت عنه. يقول مسؤول حكومي لـ "النهار العربي" إن العراق، وتعداده 45 مليون نسمة، يحتاج صيفاً إلى إنتاج 50 ميغاواط لتلبية الحاجات المحلية من الطاقة، فيما الانتاج الحالي يقف عند حدود 25 ميغاواط. يضيف: "ثمة عقبات إدارية أمام حلّ هذه المشكلة، إلّا أن العقبة الرئيسية ليست عراقية، أنما تقف خلفها دول عدة، منها الولايات المتحدة وإيران"، من منطلق أن مصائب قوم عند قوم فوائد!
 
 
يضيف المسؤول نفسه: "ترى أميركا في العراق مصدراً لعقود بمئات الملايين من الدولارات". فمنذ عام 2008 وحتى نشوب الحرب مع تنظيم "داعش"، وقّعت الحكومات العراقية المتعاقبة مع شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية عقوداً بقيمة 4.2 مليارات دولار، "وكان مفترضاً أن تساهم هذه العقود بحل مشكلة التغذية الكهربائية، غير أن هذه الأموال الطائلة ذهبت هباءً"، كما يقول المسؤول، لافتاً إلى أن هذا الأمر لم يتوقف، "فقبل شهرين فقط، عقدت الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني اتفاقات جديدة مع الشركة الأميركية المذكورة".
 
وفي نيسان (أبريل) المنصرم، كان فاضل في عداد وفدٍ رافق السوداني إلى واشنطن، وساهم في إبرام مذكرة تفاهم بين وزارته وشركة "جنرال إلكتريك" لتحديث قطاع الكهرباء في العراق وصيانته خمسة أعوام مقبلة، تشمل تعزيز كفاءة 70 توربيناً ومولداً في 18 محطة بمحافظات عراقية مختلفة، يصل إجمالي الطاقة المنتجة فيها إلى 7500 ميغاواط، لترفد الشبكة الوطنية بنحو 3000 ميغاواط جديدة".
 
 
غاز إيران
الأمر لا يختلف كثيراً في الجانب الإيراني. يقول المسؤول نفسه لـ"النهار العربي": "يمثل بلدنا رئة اقتصادية لإيران، تتنفس منها بتصدير الغاز إلى العراق، وهذا لا يستمر إلّا بتعطيل الصناعات في البلاد، وبينها مصانع توليد الكهرباء". 
 
فعلى الرغم من امتلاك العراق احتياطيات من الغاز تقدّر بنحو 131 تريليون قدم مكعب، "إننا نستورد الغاز من إيران، وقد زاد هذا الاستيراد منذ 2017 إلى أكثر من 52 مليار متر مكعب، تزيد قيمتها على 15 مليار دولار"، كما يقول.
 
وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية قبل فترة ليست بقصيرة، توقيعها عقداً لاستيراد الغاز من إيران خمسة أعوام، بمعدلات ضخ تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً، وتتفاوت الكمية بحسب حاجة المنظومة لصالح إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال، والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، ريثما يكتمل تأهيل حقول الغاز الوطنية وسدّ الحاجة الطاقية.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium