النهار

فصل ربع المُدرّسين... تعليم الكرديّة في تركيا مهدّد بالاندثار
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
منحت تركيا الأكراد الحق في تعلّم اللغة الكردية، لكنها في المقابل تضيّق على مدرسيها في مسعى حثيث لإبقاء تعليمها رمزياً.
فصل ربع المُدرّسين... تعليم الكرديّة في تركيا مهدّد بالاندثار
تلاميذ أكراد.
A+   A-
أثار قرار السلطات التركية توقيف 55 معلماً عن تدريس اللغة الكردية في المدارس الحكومية حفيظة النخب الثقافية والسياسية وحتى المجتمعية الكردية في تركيا، معتبرين ذلك تهديداً آخر للمكسب الثقافي الرمزي الوحيد الذي كسبوه طوال السنوات الماضية.
 
المفصولون من وظائفهم يشكلون أكثر من ربع الكادر التدريسي الذي عينته وزارة التربية التركية منذ عام 2011 (55 من أصل 199 مدرساً)، بعدما أقرت الحكومة التركية خلال ذلك العام "إصلاحاً" تشريعياً استثنائياً، سمح بموجبه تلقي الطلبة الأكراد في المدارس الثانوية التركية لمادة اللغة الكردية كمقرر اختياري، بساعات أسبوعية قليلة، لا يخضع دارسوها لأي امتحانات عامة، ولا تدخل ضمن السلّم التقييمي للطلبة في نهاية العام الدراسي.
 
بحسب الإحصاءات الرسمية التي تقدمها وزارة التربية التركية، اختار 26192 طالباً اللغة الكردية كمقرر اختياري خلال العام الدراسي الحالي، منهم 6000 طالب اختاروا اللهجة الزازاكية، فيما اختار الباقون اللهجة الكرمانجية. يبدو الرقم صغيراً بالنسبة إلى الأعداد الكلية للأكراد في تركيا، الذين يزيدون على 20 مليون نسمة بحسب إحصاءات غير رسمية، يدرس قرابة مليون طالب منهم في المرحلة الثانوية. لكنه أيضاً يُعبّر عن الارتفاع المطّرد لمختاري المقرر، الذين لم يكونوا يتجاوزون 10 آلاف طالب خلال السنوات الماضية.
 
وضع رمزي
يشرح كمال سارنجي، مدرس اللغة الكردية في محافظة ماردين جنوب شرق تركيا، لـ"النهار العربي" الأسباب والآليات التي تستخدمها السلطات التركية للتضييق على تدريس اللغة الكردية في المدارس، لتُفرغ هذا المُعطى الذي تتفاخر به حكومة حزب "العدالة والتنمية" منذ سنوات، وتعتبره دلالة على تميزه واختلافه عن باقي الحكومات والأحزاب التركية، وتستعمله أداة دعائية لجذب أصوات القواعد الاجتماعية الكردية في أثناء الانتخابات.
 
يضيف سارنجي: "صحيح أن الحكومة التركية أقرت حق الطلبة الأكراد في حصص اختيارية قليلة في المدارس العامة، لكنها فعلت في المقابل كل شيء كي لا يتحول ذلك إلى واقع عملي، وأن يبقى الأمر رمزياً للغاية، يزاوله مئات قليلة من الطلبة في القرى والنواحي النائية. فماذا يعني رصد أقل من 200 مُدرس لأكثر من 50 ألف طالب، بمعدل مُدرس لكل 250 طالباً؟ وكيف لوزارة التربية أن تمتنع عن وضع منهاج علمي واضح لتدريس هذا المقرر، فيما تضع كل المحاذير الأمنية والسياسية والوظيفية على المُدرسين والطلبة الذين يختارون هذا المقرر، مع توجيهات شفهية واضحة للمشرفين الإداريين على المدارس ليعيقوا تعليم هذا المقرر؟".
 
تضييق مستمر
ويرى سارني أن "المعلمين الذين فُصلوا مؤخراً، وقبلهم العشرات، كانوا ضحايا حلقة كاملة من التضييق، وبمثابة إنذار واضح لآلاف المدرسين والطلبة الذين قد يختارون المسار نفسه مستقبلاً". فمنذ سنوات، تطالب الجمعية ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن المساواة اللغوية في تركيا بوضع نظام داخلي إداري لتنظيم عملية تدريس الكردية في تركيا، "لكن الوزارة، وكل الحكومة، تترك الأمر ليكون مجرد غض نظر، كي تستطيع التراجع عنه وقت تشاء".
 
في قرابة قرن كامل، كانت الكردية محظورة تماماً في تركيا، ليس في الأوراق الرسمية والمجال الرسمي فحسب، بل حتى في الحياة الخاصة، إذ تعرض مئات الآلاف من الأكراد لمحاكمات وعقوبات شديدة بسبب تحادثهم بالكردية. لكن الحظر تراجع بالتقادم منذ تولي حكومة "العدالة والتنمية" السلطة في عام 2002. فسُمح بتداول اللغة الكردية في الفضاء العام، ثم تمت الموافقة على استخدامها في قطاع الإعلام والنشر والدعاية السياسية. وفي عام 2012، بدأ تدريسها في المرحلة الثانوية كمقرر اختياري غير رئيسي في المنهاج التعليمي.
 
جهد سياسي
إلى جانب الثانويات، افتتحت جامعات تركية عدة أقساماً لتعليم الأدب واللغة الكرديين، يتخرج منها قرابة 100 طالب سنوياً. وسمحت أيضاً بافتتاح معاهد ومراكز خاصة لتعليم اللغة والمسرح والسينما والفنون الشعبية الكردية.
 
يرى حزب "ديموقراطية الشعوب" المؤيد للأكراد أن الدفاع عن تحويل الكردية إلى لغة رسمية في تركيا واحد من أهدافه وأسس استراتيجيته السياسية، ويخوض في سبيل ذلك جدالات برلمانية وحملات ترويج شعبية شبه يومية في مختلف مناطق البلاد. وأضاف "حزب هدى" الإسلامي - الكردي، المقرب من "العدالة والتنمية"، هذا الموضوع إلى برنامجه وتوجهاته السياسية خلال السنوات الماضية.
 
إلى جانب الحزبين، تجتهد مؤسسات ثقافية ومنظمات من المجتمع المدني الكردية في سبيل تحقيق ذلك، مثل جمعية حركة اللغة الكردية (Hez-Kurd) التي تجري الدراسات لجعل الكردية لغة التعليم الرسمية الإلزامية في تركيا وإخضاعها للحماية الدستورية، وضمان حصول الأطفال الأكراد على التعليم الإلزامي، وجمعية المتطوعين الأكراد (DILKURD)، وجمعية اللغة والفنون والثقافة التي تجري دراسات عن اللهجة الزازاكية الكردية.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium