تستمر المفاوضات "الفنية" بين الحكومة الاتحادية العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان بشأن ملف المعابر الحدودية، وهذا أحد الملفات المختلف عليها بين الطرفين، بسبب التفسيرات الدستورية، مثله مثل الملفين النفطي والمالي.
تقول مصادر خاصة لـ"النهار العربي"، إن خلاف "المعابر" بين بغداد وأربيل يتركّز على ثلاثة ملفات أساسية: يتعلق الملف الأول بالجهة التي تدير المعابر الحدودية بين إقليم كردستان وكل من تركيا وإيران، والآلية التي تديرها بها. فالعراق يستورد عبرها أكثر من ثلثي مستورداته الخارجية. ويمتد الملف نفسه ليتعلق بالإدارة المركزية للجمارك، وإدارة المعابر العراقية، وآلية تشكيل تلك الإدارة، وتحديد سياساتها.
كل الإيرادات أو نصفها؟
وبحسب المصادر الخاصة نفسها، يتمثل الملف الثاني في خلاف "المعابر" بالإيرادات المالية التي تحققها هذه المعابر. فالحكومة الاتحادية تريد إدراج هذه الإيرادات كلها ضمن المالية العامة، وترى أن على حكومة إقليم كردستان إرسالها مباشرة إلى المالية المركزية في بغداد، فيما تردّ أربيل بأن النص الدستوري الخاص بهذه المسألة يفرض على الحكومات والإدارات المحلية إرسال نصف ما تحصّله من الرسوم فقط.
بقيت هذه القضية محل خلاف طوال سنوات، وقد أصرّت قوى سياسية عراقية عدة على ربط إرسال حصة كردستان من الميزانية العامة، بمدى التزام حكومة الإقليم إرسال تلك الموارد المالية، خصوصاً ضرائب المعابر الحدودية. إلّا أن وزارة المالية في الإقليم، أعلنت أخيراً عن إرسال 85 مليار دينار عراقي (نحو 60 مليون دولار) إلى الخزينة العامة، هي نصف إيرادات الضرائب والجمارك في الإقليم لشهر شباط (فبراير) الماضي، بحسب ما أعلنت وزارة المالية والاقتصاد في الإقليم.
ويرتبط الملف الثالث بالنقاط الجمركية الداخلية بين محافظات الإقليم والمحافظات الأخرى. فإلى جانب نقاط المراقبة والتدقيق الأمني بين الطرفين، تخضع البضائع التي تعبر من منطقة إلى أخرى لرسوم جمركية، خصوصاً إذا كانت مستوردة من الخارج. ويلوم الطرفان هذه المعابر من منطلق أنها السبب في عدم نمو التجارة البينية، وفي ضعف توريد البضائع المحلية من منطقة إلى أخرى. فالمزارعون في إقليم كردستان يشكون عجزهم عن تصدير منتوجاتهم إلى باقي مناطق العراق "بسبب هذه النقاط الحدودية".
اختلاف في الرؤية
يقول هيمين سالماني، الباحث المختص في الشؤون المالية، لـ"النهار العربي"، إن ملف المعابر جزء من المزاحمة السياسية المتبادلة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، "ولو أعدنا الأمور إلى أصولها، فإن هذا الخلاف على المعابر لا يختلف أبداً عمّا يحدث في ملفات البيشمركة وتصدير النفط والعلاقات الخارجية. وفي المحصلة، لا ترى القوى السياسية المركزية والحكومة الاتحادية في الفيدرالية الممنوحة لإقليم كردستان أي بُعد سيادي، إنما هو مجرد معطى إداري للحكم، أي هو شيء من الإدارة المحلية الموسعة".
يضيف: "في الجانب الآخر، حكومة إقليم كردستان، ومثلها القوى السياسية الكردية، يعتبرون كيانية إقليم كردستان مكسباً سيادياً، جغرافياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً، يمنح الإقليم مجموعة واضحة من السلطات، إلّا بعض الصلاحيات الخاصة للحكومة المركزية". وبحسبه، هذا مثبت في الدستور وثمرة لنضال الأكراد التاريخي، "ومن ذلك تنبعث كل الخلافات التفصيلية، وعلى رأسها مسألة الجمارك التي تجمع السيادة الجغرافية بنظيرتها المالية والرمزية".
إشكالية سيادية
يقول المصدر الخاص نفسه لـ"النهار العربي"، إن وفداً من الحكومة الاتحادية أنهى العمل في نقطتين جمركيتين مع إقليم كردستان: نقطة "باوى محمود" قرب الحدود مع إيران شرق الإقليم، وتحديداً بين مدينتي كلار في كردستان وخانقين المتنازع عليها لكن الخاضعة لسلطة الحكومة الاتحادية، ونقطة أخرى قرب سد الموصل، بين محافظتي دهوك ونينوى.
وناقش وفد حكومي من إقليم كردستان أخيراً موضوع هاتين النقطتين الجمركيتين مع مسؤولين في الحكومة الاتحادية، مُقدّماً إحاطة كاملة بشأن غياب السند القانوني لتشييد هاتين النقطتين، وتأثير النقطتين الجديدتين على التبادل التجاري بين سكان المناطق المتجاورة في محافظات السليمانية وديالى ودهوك ونينوى.
كما قدّم وزير الداخلية في إقليم كردستان ريبر أحمد، ووزير المالية آوات شيخ جناب، ومدير الجمارك سامان عبد الرحمن، ملاحظات مطولة بشأن هاتين النقطتين الجمركيتين، وطالبوا الحكومة المركزية بتفكيك معضلة وجوب تقديم التجار ضريبتين متتاليتين لإيصال بضائعهم التجارية إلى المناطق العراقية، واحدة على المعابر الدولية وأخرى في المعابر الداخلية.
ويلفت مراقبون إلى أنه حتى لو قرّرت بغداد وأربيل التعاون الإيجابي على أساس توحيد السياسات الجمركية والإدارية الخاصة بالمعابر والنقاط الحدودية، فسيعود الإشكال غالباً إلى المربّع الأول: سترى حكومة بغداد الاتحادية الأمر ضمن سلطات وزارتي المالية والداخلية، مثلما تفعل في الملف النفطي، فيما سترى حكومة إقليم كردستان الأمر شأناً وطنياً، يوجب حلّه على أساس التوافق، بتحديد السياسات الجمركية أو البنية الإدارية للمؤسسات المشرفة على المعابر.