أثار إقرار الحكومة الأردنية نظاماً معدلاً للخدمة المدنية ودخوله حيز التنفيذ قبل أيام، جدلاً واسعاً في أوساط المواطنين لما تضمنه من تعليمات اعتُبرت مساساً بالأرزاق، بينما تقول الحكومة إنه جاء لتطوير أداء الكوادر البشرية في القطاع العام.
وتشهد منصات التواصل الاجتماعي انتقادات واسعة للحكومة وسط استياء كبير من تعديلات النظام الجديد ومطالب بإعادة النظر فيه، في حين أفردت مختلف وسائل الإعلام المحلية مساحات واسعة لمناقشة التعديلات وتداعياتها.
ومن بين أبرز النقاط الخلافية في النظام، اشتراطه عدم عمل الموظف في القطاع خارج أوقات العمل الرسمي، ما يعني وفق منتقدي النظام أنه "سيقطع أرزاق قطاع واسع من الأردنيين، ويفاقم أوضاعهم المعيشية سوءاً".
ويعمل الكثير من الأردنيين في وظائف أو مهن أخرى غير عملهم في القطاع الحكومي، وذلك سعياً لتعزيز دخولهم في ظل أوضاع اقتصادية صعبة فرضت ارتفاعاً كبيراً على أسعار السلع والخدمات على مدى سنوات ماضية، مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وكلف المعيشة بشكل عام.
كذلك ألغى النظام المعدل حصول الأردنيين العاملين في القطاع العام على إجازات بدون راتب، ما يضع آلاف المغتربين منهم، وأغلبهم في دول الخليج أمام مأزق يتمثل في الاختيار بين البقاء في وظائفهم في الغربة، أو العودة إلى الوظيفة الحكومية في الأردن.
ومنحت الحكومة الموظفين في القطاع العام الحاصلين على إجازة بدون راتب للعمل خارج الأردن، مهلة عامين لتصويب أوضاعهم، وتقول إن بقاء الموظف لفترة طويلة مفتوحة خارج الأردن يربك العمل، لأنها تقوم بإعطاء نسبة معينة لتعيين بدل هؤلاء المجازين.
وتؤكد الحكومة أن الموظف المعين في هذه الحالة لا يشعر بالاستقرار ولا يتمتع بكامل حقوق الموظف الذي على رأس عمله، وإذا عاد الموظف الأصيل يجب إنهاء خدمة هذا الموظف، مشيرة إلى أن نحو 12 ألف موظف ينطبق عليهم هذا الأمر ولا يكون أداؤهم بالمستوى المطلوب لأنهم لا يشعرون بأنهم مستمرون في وظيفتهم.
"لن يحقق أهدافه"
بشأن ذلك، يحذر مدير المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"، حمادة أبو نجمة، من أن "نظام إدارة الموارد البشرية الجديد في الأردن لن يحقق أهدافه في تحفيز الموظفين وتحسين الخدمات الحكومية، وذلك لافتقاره إلى الدراسة والتوافق مع متطلبات الواقع"، لافتاً إلى أن "إصداره تم دون إخضاعه لدراسة معمقة أو تشاور مع الخبراء والمختصين، مما أدى إلى وجود ثغرات كبيرة تعوق تطبيقه الفعال".
والنظام الجديد كما يضيف أبو نجمة لـ"النهار العربي"، "لا يضع ضوابط فعالة للحد من تأثير الواسطة والمحسوبية في تعيين الموظفين وترقيتهم، مما يُعوّق تحقيق العدالة والمساواة في العمل، في وقت فرضت تعديلات النظام قيوداً غير مبررة على الموظفين، مثل وقف الإجازة بدون راتب، في حين تشير المعلومات إلى وجود ما يقرب من 12 ألف موظف مجازين بدون راتب يعملون خارج الأردن ويدرون على المملكة دخلاً مالياً جيداً ليس من مبرر لحرمان البلد منه، أو لحرمانهم من تحسين ظروف معيشتهم من خلاله".
وفي ما يخص حرمان الموظفين من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي، يقول إن "النظام لم يأخذ في الاعتبار احتياجاتهم وظروفهم المعيشية"، معتبراً أن ذلك "لا يخدم بأي شكل من الأشكال عملية التطوير الإداري، في وقت يعوّق فرصهم في تحسين دخلهم ومعيشة أسرهم خاصة أصحاب الدخول المتدنية".
ما هي البدائل؟
وينتقد أبو نجمة نية الحكومة تحويل جميع الموظفين إلى متعاقدين، فذلك من وجهة نظره "سيؤدي إلى عدم الاستقرار الوظيفي، وانخفاض جودة الخدمات، وزيادة التكاليف على الحكومة".
أما بشأن البدائل، فيرى أن "هناك العديد من البدائل الأفضل لتحسين كفاءة الخدمة المدنية دون الحاجة إلى تحويل جميع حالات الموظفين إلى عقود. على سبيل المثال، يمكن للحكومة تطوير نظام عادل وشفاف لتقييم أداء الموظفين بما يساعد على تحديد الموظفين ذوي الأداء العالي وتقديم الحوافز لهم، كما يمكن توفير فرص التدريب والتطوير للموظفين لمساعدتهم على تطوير مهاراتهم وتحسين كفاءتهم".
ويدعو أبو نجمة الحكومة إلى مراجعة نظام إدارة الموارد البشرية الجديد بشكل شامل وإشراك جميع المعنيين في عملية إصلاحه، لضمان تحقيق أهدافه في تحسين كفاءة الخدمة المدنية وتحقيق العدالة للموظفين.
"مزيد من الإفقار"
من جهته، يقول عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين بلال العقايلة، إن "نظام الخدمة المدنية الجديد سيفقر الناس حين يمنع الجمع بين وظيفتين، لا سيما أننا نعيش وسط ظروف تتآكل فيها الدخول بشكل متسارع تبعاً لحالة التضخم التي تمر بها البلاد، ما يجعل المواطن يعيش حالة من القلق وفقدان الأمان ويزيد من قلقه على أسرته وأطفاله".
واعتبر العقايلة في حديثه إلى "النهار العربي" أن "من صاغ هذا التشريع مغيب تماماً عن واقع الناس وظروفهم، ما يوسع الهوة بين القمة والقاعدة ويسحب من رصيد الولاء والانتماء للوطن والأرض"، لافتاً إلى أن "أغرب ما في الأمر هو أن النظام الجديد ولد فجأة وفي توقيت يشوبه الكثير من علامات الاستفهام، بعد فترة من الصمت والتكتم الحكومي، ولم يطرح الموضوع للتشاور والاستمزاج، ليخرج وسط أجواء مشحونة بالروح الوطنية والمتابعة الحثيثة لما يحدث من أحداث جسام في غزة، فتصرف الأنظار عنوة لموضوع جديد أصبح حديث الجمهور وشغل الناس الشاغل، الذي زاد من همومهم ومعاناتهم".
ووفق العقايلة، فإن "التشريع الجديد يمنع الموظف من أي أعمال أو نشاطات من شأنها أن تتيح له التعبير وتمنحه الحرية، فيعيش الإنسان على الأرض كرقم بلا حرية وبلا قرار أو اختيار، وهذا فيه قتل لإنسانية الإنسان ويرتقي إلى درجة العبودية (عبودية الوظيفة) وطاعة المسؤول، مثلما أن النظام الجديد ألغى الحوافز التشجيعية في الترفيع والدرجات، وهذا سيجعل من الوظيفة أمراً روتينياً ويحوّل الموظف إلى شخص بيروقراطي لا يعنيه التطوير والإنجاز".
وتزامن دخول النظام الجديد حيز التنفيذ مع إطلاق هيئة الخدمة والإدارة العامة، استراتيجيتها للأعوام (2024-2027)، التي تهدف إلى "ترسيخ دور الهيئة التنظيمي والتطويري في مجالات الموارد البشرية، والخدمات، والهياكل التنظيمية، والحوكمة، وإدارة الأداء المؤسسي، والقيادات الحكومية، والثقافة المؤسسية".