أشاعت الزيارة الاستثنائية التي قام بها زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني الرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود بارزاني للعاصمة بغداد، بعد "قطيعة" استمرت لست سنوات، أجواء إيجابية انعكست على علاقة الحكومة الاتحادية العراقية بالإقليم الكردي.
زيارة بارزاني شهدت احتفاء سياسياً ودبلوماسياً استثنائياً، وكذلك اهتماماً وترقباً من الجهات المتابعة للملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان. لكن أوساطاً مطلعة، فضلاً عن معلومات خاصة حصل عليها "النهار العربي"، أشارت إلى أن بارزاني ركز على أربعة ملفات، أغلبها سياسي محض، تتعلق بموقف العراق من المجريات الإقليمية، وأسباب تأخر انتخاب رئيس جديد للبرلمان الاتحادي، وأسباب امتناع الحكومة الاتحادية عن تنفيذ الورقة الموقعة بينها وبين الإقليم قبل تشكيلها، ورؤية القوى المركزية (الشيعية) للملفات الاستراتيجية الخاصة بالداخل العراقي.
وأكدت المصادر أن بارزاني الذي اجتمع مع زعماء القوى السياسية المركزية، بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وأغلب الوزراء الرئيسيين في حكومته، تحدث مطولاً عن رؤيته بشأن الملفات الإقليمية والاستراتيجية التي ينخرط فيها العراق راهناً، وعلى رأسها العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وأكد بارزاني أن الموقف من الوجود العسكري الأميركي في العراق يجب أن يُبنى على حسابات دقيقة، تأخذ مصالح العراق بالحسبان واستقراره المديد، من دون انفعالية ونزعة خطابية. كذلك شدد على ضرورة أن يأخذ القادة السياسيون العلاقات مع الولايات المتحدة كمسألة جوهرية لمستقبل العراق وحفظ نظامه الديموقراطي واقتصاده النامي، فالولايات المتحدة ليست دولة عادية بالنسبة الى العراق.
الاجتماع الرئيسي الآخر عقده بارزاني في منزل زعيم "كتلة السيادة" خميس الخنجر، وضم كل قادة التيارات والأحزاب السّنية في العراق، وشهد مصالحة ودية بين الخنجر ورئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي الذي يترأس حزب "تقدم"، وأكبر الكتل السّنية في البرلمان.
مصادر من داخل الاجتماع أكدت أن بارزاني لام القوى المجتمعة بشأن تأخر انتخاب رئيس برلمان، وغرقها في تفاصيل الصراعات السياسية في ما بينها، وزيادة مستويات سوء الثقة بين القوى السّنية الرئيسية.
أضافت المصادر أن الجهات الحاضرة عرضت تخويل بارزاني مهمة إيجاد مسار للحل في ما بينها، على أن يحصل على موافقة مسبقاً على ما يقرره، لكن الزعيم الكردي أكد أن الطريقة الأفضل هي التفاوض المباشر بين القوى المعنية نفسها، على قاعدة التعاهد والتوافق على رؤية موحدة لمرحلة ما بعد انتخاب رئيس البرلمان، وليس فقط المنافسة الحادة بشأن رئاسة البرلمان فحسب.
وناقش بارزاني أيضاً مع مختلف القوى السياسية العراقية أسباب تأخر الحكومة الاتحادية تنفيذ الاتفاق السياسي المسبق الذي وقعت عليه أطراف "تحالف بناء الدولة" الراعي للحكومة الاتحادية. فالحكومة لم تقدم قانون النفط والغاز الى البرلمان، على رغم تعهدها فعل ذلك خلال الشهور الستة الأولى من عملها، ولم تنفذ اتفاقي سنجار مع إقليم كردستان، من أجل تطبيع الأوضاع في المنطقة. كذلك استنكفت الحكومة عن التسريع بتطبيق المادة من 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها.
الباحث شفان رسول شرح في حديث الى "النهار العربي"، ما سمّاه "تجاوز ما هو مكرس سياسياً في مختلف المتن العراقي، ويحاول الرئيس بارزاني كسره وتجاوزه، من خلال إعادة المسألة السياسية إلى النقاش بين القوى السياسية العراقية"، وقال: "منذ سنوات، بالذات بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، فإن القوى المركزية العراقية (الشيعية)، صارت تعتبر نفسها حاكمة بالمطلق للعراق، فيما باقي القوى والجهات العراقية مجرد جهات لديها طلبات اقتصادية وإدارية، أي انها تنفي عنها سمة الشراكة السياسية، وتالياً عن الكيان العراقي الجديد هويته كدولة ونظام سياسي مبني على التوافق والمكونات الأهلية، القومية والدينية/المذهبية".
وأضاف: "يصر الرئيس بارزاني على العودة إلى النقطة التأسيسية للنظام السياسي، وتفسير كل الخلافات وأشكال سوء الفهم إلى مدى تطابق كل منها مع التأسيس الأولي للنظام الجديد. فلا يوجد شيء اسمه خلافات بغداد مع أربيل، بل ثمة من لا يلتزم فروض الدستور والقيم التي بُني عليه العراق الجديد، ويسعى جاهداً لإغراق هذه المسألة الأولى بكميات كبيرة من الملفات التفصيلية العالقة، مثل قضايا تصدير النفط ورواتب موظفي الإقليم والمعابر الجمركية، ومثلها الكثير من الملفات التي لا تنتهي".
ووفقاً لمعلومات متقاطعة، يتابع بارزاني مجموعة من التوافقات السياسية التي توصل إليها مع القوى العراقية، مؤكداً ضرورة لملمة الملفات الداخلية في ظل ضغوط إقليمية واضحة، تمثلها أحوال سوريا وتركيا والحرب في غزة التي قد تتحول أي منها الى ملفات ساخنة في أي لحظة، فيما شدد على عدم تقسيم العراق إلى كتلتين متناظرتين في حال العودة المرتقبة للتيار الصدري إلى الساحة السياسية، واستقطابه أطرافاً سياسية عراقية معينة.