النهار

تركيا تكثّف عمليّاتها العسكريّة في إقليم كردستان والحكومة العراقيّة متردّدة
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ناقش خلال استقباله السفير التركي الجديد في العراق أنيل بورا إنان ما اسماه "أهمية مراعاة السيادة العراقية ومنع اختراقها.
تركيا تكثّف عمليّاتها العسكريّة في إقليم كردستان والحكومة العراقيّة متردّدة
االعمليات التركية في إقليم كردستان تثير ردود فعل
A+   A-
 
يتابع مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي جولته في إقليم كردستان، للاطلاع على آخر المستجدات المتعلقة بتوسع القوات التركية في توغلها ضمن أراضي الإقليم، بعدما رفض مجلس الأمن الوطني العراقي للتوغل التركي الحالي، ما يُنذر بإمكانية تصاعد الموقف بين الطرفين.

اجتماع المجلس العراقي حاول إيجاد توازن في الموقف العراقي، إذ رفض في بيان ما سماه "استعمال الأراضي العراقية لتكون منطلقاً للاعتداء على دول الجوار". ودعا المجلس وفقاً للبيان، جميع الأطراف والقوى الوطنية لـ"مساندة موقف الحكومة في هذا الأمر، مجدداً الموقف العراقي المبني على الدستور والقانون، الذي يمنع الاعتداء على أراضيه، أو استعمال الأراضي العراقية لتكون منطلقاً للاعتداء على دول الجوار".
 
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها طالبت تركيا بتنسيق عملياتها العسكرية داخل حدود إقليم كردستان العراق مع كُلّ من الحكومتين، المحلية والاتحادية العراقية، ما قد يخلق مزيداً من الضوابط على العملية التي تنفذها تركيا منذ شهور. 
 
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال مؤتمر صحافي رسمي: "طلبنا من الحكومة التركية أن تنسق مع مسؤولي العراق ومسؤولي إقليم كردستان العراق بشأن العمليات العسكرية التي تنفذها خارج الحدود، وطلبنا منها أيضاً حماية المدنيين وتجنب إلحاق الضرر بهم"، وأضاف المتحدث رداً على أسئلة وسائل إعلام كردية أثناء المؤتمر: "نحن نتفهم الخطر المستمر الذي يسببه حزب العمال الكردستاني، لكننا ندعو الحكومة التركية إلى التنسيق بشأن عملياتها العسكرية مع حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان وسائر المسؤولين المحليين".
 
تصريحات الخارجية الأميركية ترافقت مع ما قاله مستشار رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الصميدعي الذي كشف خلال برنامج متلفز عن وجود تنسيق بين الحكومة العراقية ونظيرتها التركية بشأن العمليات العسكرية في إقليم كردستان. والغريب أن مستشار رئيس الحكومة العراقية قال إن "حزب العمال الكردستاني يقوم بعمليات إجرامية، وإن الحكومة العراقية صنفته منظمة إرهابية"، وهو موقف يخالف التصريحات الرسمية للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، اللتين تصنفان العمال الكردستاني منظمة محظورة، وليس تنظيماً إرهابياً كما تطالب تركيا منذ سنوات، ويرفض الطرفان المطالب التركية بذلك الشأن. 
 
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ناقش خلال استقباله السفير التركي الجديد في العراق أنيل بورا إنان ما سمّاه "أهمية مراعاة السيادة العراقية ومنع اختراقها، من خلال إجراءات التنسيق الأمني المشترك بين البلدين"، على رغم أن الاجتماع كان مخصصاً لمناقشة تكثيف الخطة الخاصة بمشروع "طريق التنمية" الذي تنفذه الحكومتان التركية والعراقية، بشراكة مالية مع عدد من الدول الإقليمية، ويتقصد الربط البري بين قارتي آسيا وأوروبا، عبر سلسلة من الطرق والسكك الحديدية بين البلدين. لكن المختصين بالقضايا الأمنية يرون أن نجاح المشروع يتطلق مجموعة من التحولات والإجراءات السياسية، لحماية المشروع من الضغوط الأمنية التي تحيط بها. 
 
بحسب معلومات أمنية متطابقة، فإن القوات التركية أنشأت منذ عام 2019 أكثر من 75 قاعدة ومعسكراً ومركز إسناد داخل إقليم كردستان، يتمركز فيها أكثر من 15 ألف جندي وعنصر أمني تركي، وأعلن منذ أكثر من أربع سنوات عن انطلاق عملتي "المخلق" و"القفل"، اللتين تتقصدان شن هجوم بري على سلسلة معسكرات ونقاط تمركز مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية الجبلية بين تركيا وإقليم كردستان، في جبال كارى ومتينى وخواكورك وزاب وقنديل.
 
المنطقة الأكثر تمركزاً للقوات التركية راهناً هي شمال محافظة دهوك في الإقليم التي تتهم تركيا حزب العمال الكردستاني بتخزين الأسلحة الثقيلة والاستراتيجية في مخازن محصنة فيها. وتتوعد تركيا المقاتلين الأكراد بشن عمليات برية كبرى ستطالهم في نقاط تمركزهم الأربع داخل العراق بعد الانتهاء من مرحلة التمركز ووضع القواعد الرئيسية، هي جبال قنديل ومعسكرات اللاجئين المدنيين في منطقة مخمور جنوب محافظة أربيل ومنطقة سنجار غرب مدينة الموصل ومعسكرات الحزب شمال محافظة دهوك. 
 
الباحث المختص بالشؤون الأمنية آلان حساني شرح في حديث إلى "النهار العربي" ما سماها "حسابات التوازن" التي تراعيها الحكومة العراقية في أي قرارات خاصة بالتعاون مع نظيرتها التركية أمنياً، وقال: "ثمة ما هو ذو دلالة إلى سلوك الحكومة الاتحادية العراقية تجاه وجود حزب العمال الكردستاني في العراق، والتعاون الأمني بشأنها مع تركيا. ففي وقت تصرح وتلمح الحكومة عن وجود تنسيق مع تركيا بشأن معسكرات الكردستاني وعناصره في المناطق الجبلية من كردستان، فإنها لا تنفذ اتفاقية سنجار، بسبب حرصها وعدم رغبتها في الصدام مع المقاتلين والتنظيمات المقربة من العمال الكردستاني، المسيطرة على أجزاء واسعة من تلك المنطقة. فالحكومة الاتحادية تعرف جيداً أن العمال الكردستاني هو جزء من التوازن السياسي والأمني بين إيران وتركيا وباقي الدول الإقليمية. لأجل ذلك، فإن التماهي الحكومي العراقي مع العمليات العسكرية التركية في كردستان سيكون موقتاً، وسينتظر ترتيبات الأوضاع السياسية والأمنية داخل سوريا، التي قد تشهد توازناً ما بين إيران وتركيا، سينعكس على العراق".
 
والمثير للاستغراب هو الخلاف الواضح بين البرلمان والحكومة العراقية بشأن العمليات العسكرية التركية داخل العراق - كردستان. ففي وقت تُعلن الحكومة العراقية تعاونها وتنسيقها، فإن البرلمان العراقي يصنف القوة التركية قوة احتلال للأراضي العراقي. إذ عادة ما تطالب لجنة الأمن والدفاع داخل البرلمان العراقي الحكومة بتعديل موقفها، مشددة على دعوة رئيس الوزراء وكل من وزيري الدفاع والداخلية إلى مناقشة الأمر داخل البرلمان. 
  
  
 

اقرأ في النهار Premium