يعبر الإعلان عن إنشاء مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الأردن عن مدى الثقة بمكانة الأردن ودوره المتوازن والفاعل تجاه أزمات المنطقة والإقليم، بوصفه حليفاً بارزاً يتبنى خطاباً متوزاناً في التعامل مع الملفات والدفع إلى إنهائها، على نحو يحقق السلام والاستقرار، من دون أن ينجر إلى اصطفافات أو تحالفات تعمق الأزمات أو تزيدها تعقيداً.
والخطوة وفق ما يقول لـ"النهار العربي" وزير الإعلام الأسبق محمد حسين المومني، تشير إلى أن هناك "اهتماماً عالمياً متزايداً بمنطقة الشرق الأوسط بسبب حالة اللااستقرار وانعدام الأمن فيه، وبالتالي من الطبيعي أن تبادر التحالفات الدولية إلى أن يكون لها مزيد من الحضور في المنطقة".
ويضيف أن "اختيار الأردن يأتي كنتيجة للمصداقية العالية التي تتمتع بها المملكة ومؤسساتها العسكرية والأمنية المشهود لها بالانضباطية والاحترافية الكبيرة، فضلاً عن حالة الأمن والاستقرار في الأردن التي تجعله من أفضل الدول لخطوة كهذه".
تحالف متين
للجغرافيا والتحولات الكبيرة في المنطقة دور كبير أيضاً في ذلك، وفق ما يؤكد الدكتور خالد شنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، فيقول لـ"النهار العربي": "الجغرافيا عامل أساسي، كون الأردن مجاوراً لإسرائيل وسوريا والعراق ودول الخليج وموقعه متوسط، وبالتالي يمثل فرصة بالنسبة إلى حلف الناتو لضبط إيقاع التغيرات في الإقليم، خصوصاً بعد ما حدث عقب طوفان الأقصى الذي أدى إلى تحولات كبيرة وازدياد العداء بين إسرائيل وإيران وحدوث هجمات متبادلة بينهما، إضافة إلى ما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر وكذلك ’حزب الله‘ في جبهة جنوب لبنان وغير ذلك".
يضيف شنيكات أن هذه الخطوة تعكس كذلك متانة العلاقة بين الطرفين والتحالف بينهما الممتد منذ نحو 30 عاماً، "مثلما تعكس عمق تحالف المملكة مع الولايات المتحدة صاحبة الثقل الأبرز في الناتو، من حيث القواعد العسكرية والتمويل، لا سيما في ما يتعلق بالمعاهدة الدفاعية الأمنية والمساعدات التي تقدّر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار، أغلبها ذات طابع عسكري".
الأمر الآخر، وفق شنيكات، هو أن الأردن يشارك في مناورات يجريها الناتو، أبرزها تمرين "الأسد المتأهب"، إضافة إلى برامج تدريب وبناء قدرات وإمكانيات الجيش الأردني، والتزويد بالأسلحة والتعاون في مجالات الاستخبارات والأمن السيبراني، "وهذا يعني أن التعاون استراتيجي وطويل الأمد".
تزايد الخطر الإيراني
يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر عارف الحديد أن خطوة الناتو تأتي في سياق الحاجة إلى مزيد من الاهتمام والتركيز بأحداث الإقليم، على وقع حرب غزة ومواجهات إسرائيل على أكثر من جبهة، "والأهم هو القدرة على تعامل الحلف مع التطورات المستقبلية للأحداث على نحو أكثر فاعلية ودقة".
يقول الحديد لـ"النهار العربي" إن هذه الخطوة تظهر مدى ثقة قادة العالم بمكانة الأردن ودوره المتوازن والفاعل تجاه أزمات المنطقة والإقليم، "فهو الحليف الأبرز الذي يتخذ مواقف تستند إلى الحكمة في التعامل مع الملفات، والدفع إلى إنهائها، بما يدفع إلى تحقيق السلام والاستقرار، ولا ينجر إلى اصطفافات أو تحالفات تعمق الأزمات أو تزيدها تعقيداً".
ويضيف: "ثمة خشية باتت تتصاعد أكثر فأكثر من سياسات إيران في الإقليم، ولجوئها إلى صب الزيت على النار في غير بلد، ما يجعل خطر اشتعال حروب أو امتداد أخرى قائماً في أي زمان ومكان، وهذا ربما يدفع إلى المزيد من الإجراءات أو الخطوات التي يمكن أن تُتخذ للتصدي لها".
علامة استراتيجية فارقة
وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية عن إنشاء مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي في الأردن، قائلة إن "الحلفاء في قمة قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعام 2024 في واشنطن اعتمدوا خطة عمل لتعزيز نهج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمواكبة تطورات المشهد الأمني الإقليمي والعالمي، وقد حرصت هذه الخطة على إظهار التزام الحلف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، بما في ذلك من خلال إنشاء مكتب اتصال للحلف في الأردن وهو مكتب الاتصال الأول في المنطقة، وفق بيان مشترك بين الوزارة والحلف".
ووفق بيان للخارجية الأردنية، يمثل قرار افتتاح المكتب، الذي كان قد أُعلن عن النية لإنشائه في البيان الختامي لقمة الناتو في ليتوانيا في تموز عام 2023، "علامة فارقة في الشراكة الاستراتيجية العميقة بين الأردن والحلف، حيث يقر الحلف بدور الأردن المحوري في تحقيق الاستقرار إقليمياً ودولياً، ويشيد بإنجازاته الممتدة في مكافحة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف العنيف".
تعزيز الحوار المتوسطي - الأطلسي
وجاء في البيان: "سيسهم المكتب، باعتباره مكتب تمثيلٍ للحلف، بتعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حلف الناتو والأردن. وسيعزز التواصل المستمر بين الأردن والحلف وبما يسهم في تعزيز فهمٍ أعمق للسياقات الوطنية والإقليمية وإحراز التقدم المنشود في تنفيذ برامج وأنشطة الشراكة التي تشمل عقد المؤتمرات والدورات وبرامج التدريب في مجالات مثل التحليل الاستراتيجي، والتخطيط لحالات الطوارئ، والدبلوماسية العامة، والأمن السيبراني، وإدارة تغير المناخ، وإدارة الأزمات والدفاع المدني".
يضيف بيان الخارجية الأردنية: "يبنى إنشاء مكتب اتصال لحلف الناتو في عمّان على ما يقارب ثلاثة عقود من العلاقات الثنائية العميقة، لا سيما من خلال الحوار المتوسطي لحلف شمال الأطلسي، ويهدف إنشاؤه إلى تعزيز الحوار السياسي وتبسيط التعاون العملي بين الحلف والأردن، وهو تطور طبيعي في العلاقة المتنامية بين الأردن والحلف والممتدة منذ عام 1996".