في خطوة أثارت عاصفة انتقادات داخل الأوساط العراقية، أقدمت بلدية قضاء الدواية شمالي محافظة ذي قار جنوبي العراق على إزالة تمثال أحد أعظم حكام حضارة وادي الرافدين، الملك السومري كوديا، من الساحة العامة.
وفيما قال مدونون من محافظة ذي قار إنّ "البلدية أزالت التمثال المذكور لأسباب دينية باعتباره لا يمثّل المذهب الشيعي والشريعة الإسلامية"، ينفي مدير بلدية الدواية فخري هاشم تلك الاتهامات.
ويؤكد هاشم، لـ"النهار العربي"، أنّه "لا يوجد أي اتفاق مع هيئة المواكب الحسينية على إزالة النصب ووضع مجسّم للقرآن الكريم بديلاً منه، وهي أخبار تهدف لإثارة الرأي العام".
ويضيف: "النقوش السومرية اختفت معالمها من التمثال، وكل ما حصل هو إجراء لإعادة تأهيله وإعادته إلى مكانه خلال الأيام المقبلة".
وشكّل هذا الفعل "صدمة"، وفقاً للمدون ياسر الناصري الذي يسكن في محافظة ذي قار.
ويأسف الناصري، في حديث لـ"النهار العربي"، لـ"عدم احترام غالبية المسؤولين في العراق لحضارة بلادهم العريقة وإعطائها القيمة التي تستحقها"، مضيفاً: "كأنّ هذه الأفعال هي مقصودة للإساءة لتاريخ بلاد الرافدين".
ويستبعد إعادة التمثال إلى مكانه في الساحة العامة، موضحاً أنّ "البلدية تزعم إعادة تأهيله لكن الواقع غير ذلك، فكيف يتمّ الترميم بعد أن جرى سحل التمثال في الشارع بطريقة مهينة؟".
ويؤكد أنّ "ثمة جهات (لم يذكرها) وراء هذا الفعل، إذ تعتبر أنّ وجود صنم مخالف للدين، لكن بعد ردود الفعل الشعبية الغاضبة، تمّ التراجع عن القرار وقالت البلدية إنّه سيعود إلى مكانه بعد صيانته وترميمه"، لافتاً إلى أنّ "وجود تماثيل حضارة بلاد الرافدين في مناطقنا وشوارعنا دليل على حبنا واعتزازنا بها، ولا يمكن نسيانها مهما فعلوا".
بدورها، استنكرت مفتشية آثار وتراث محافظة ذي قار إزالة تمثال الملك السومري.
وذكرت الدائرة، في بيان، أنّها "تستنكر هذه الأفعال وتُعبّر عن استيائها الشديد لهذه الهجمة الشرسة التي تستهدف رموز الفكر والفن والثقافة وفي مقدمتها تمثال الملك كوديا"، داعية المسؤولين إلى "محاسبة مرتكبي هذه الجريمة وحماية تماثيل المحافظة كونها تعتبر من معالم الآثار وتاريخ البلاد".
ويعود عمل التمثال للشاب أحمد حسن، وهو من أهالي ذي قار ونحات فطري، سبق وأن قدّم العديد من أعمال منحوتات لحكام وملوك حضارة بلاد الرافدين. ويرسّخ من خلال هذه الأعمال ثقافة حب الآثار والاطلاع على الحضارة العراقية القديمة واكتشاف عوالمها.
وبحسب النصوص المنقوشة على التمثال الأصلي في باريس فقد كان "كوديا حاكم دولة لكش جنوبي بلاد الرافدين للفترة من 2080 إلى 2060 قبل الميلاد". وكوديا لم يكن من سكان المدينة الأصليين ولكنه تزوج من نينالا ابنة أور زبابا، ملك مدينة لكش. وخلال فترة حكمه تمتعت لكش بفترة ذهبية واستقلال عن دويلات المدن العظمى التي كانت تحكم المنطقة آنذاك، كما أنّ النصوص التاريخية التي عثر عليها في وصف كوديا تؤكد أنّه لم يدعي الألوهية ولم يكن يقبل معاملته خلال حياته كـ "إله أو سليل لإله"، ومُنح وصف الإله بعد وفاته كما جرت العادة آنذاك.
وخلال فترة حكمه، تمكّن كوديا أو غوديا من احتلال عيلام وانشين في بلاد فارس، وقدّم نظاماً متطوراً للري، كما أنشأ المعابد الكبيرة للآلهة.
يُشار إلى أنّ معظم تماثيل وآثار حضارة وادي الرافدين الأصلية لا تزال في المتاحف الأجنبية خارج البلاد، وأهمها المتحف البريطاني ومتحف اللوفر الفرنسي والمتروبوليان الأميركي بالإضافة إلى المتاحف الألمانية، إذ ترفض تلك المتاحف إعادة هذه القطع الأثرية إلى العراق بحجة القلق من "تعرّضها للدمار".