تسود موجة من التفاؤل السياسي في إقليم كردستان بعد انتخاب المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان لرئاسة إيران، بسبب وعوده السياسية الإقليمية والداخلية، وأصوله العرقية الأذرية - الكردية، إذ تتوقع هذه الأوساط مزيداً من الانفتاح وتحسن العلاقات بين الطرفين خلال ولايته.
رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني هاتف الرئيس الجديد للتهنئة، وقال بيان صادر عن مكتبه إنه أكد خلاله "استعداد الإقليم وسكانه لتعزيز أواصر الصداقة التاريخية مع إيران، والتعاون المشترك مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جميع المجالات بناءً على الاحترام والمصالح المشتركة وحسن الجوار لتحقيق التطور الثنائي"، وقد بادله الرئيس الإيراني تأكيد الرؤية نفسها، مبدياً استعداده لتعزيز العلاقات مع إقليم كردستان.
وكانت علاقات الطرفين قد دخلت مأزقاً سياسياً حاداً، عقب الهجمات الصاروخية التي شنها الحرس الثوري الإيراني على منزل رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي، متهماً إياه بالعمل لمصلحة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وهو ما نفاه الإقليم تماماً. واتخذت الحكومة الاتحادية العراقية بدورها موقفاً تصعيدياً تجاه الإقليم، إلى أن عادت أجواء التفاؤل بعد الزيارة التي قام بها نيجرفان بارزاني لطهران قبل شهرين، ولقائه المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس (الراحل) إبراهيم رئيسي.
تفاؤل إقليم كردستان بالرئيس الجديد يتأتى من تعمد الرئيس الجديد عدم إخفاء أصوله القومية الأذرية - الكردية، فهو من مواليد مدينة مهاباد ذات الأغلبية الكردية المطلقة غرب إيران، والتي كانت عاصمة لدولة كردستان التي أُعلنت هناك عام 1946. وهو بالإضافة إلى ذلك يتقن اللغة الكردية تماماً، ويقول إنه تعلمها من والدته الكردية، ومن البيئة التي قضى فيها طفولته ويفاعته. وكان العديد من المقاطع المصورة للرئيس الجديد قد انتشر خلال الأيام الماضية، يتحدث فيها بلغة كردية فصيحة، ويرسل تحياته إلى الشعب الكردي.
على المستوى السياسي - الإداري، فإن بزشكيان يطالب بإعادة التوازن القومي بين الفرس والقوميات الإيرانية الأخرى في البلاد، من أذر وعرب وبلوش، في قطاعات التعليم والثقافة والإعلام بالذات. وهو أمر تعتقد النخب والساسة الأكراد أنه سيكون لمصلحتهم، سواء داخل إيران، حيث يعيش أكثر من 7 ملايين كردي، أم خارجه، ويتوقعون أن ينعكس على علاقات إيران مع إقليم كردستان. فرئيس مثل بزشكيان لن يتعامل مع الإقليم بناءً على حساسية أو شعور بالخطر منه على مستقبل الاستقرار الداخلي في إيران.
خلال حملته الانتخابية، قدم بزشكيان المادة 15 من الدستور الإيراني كأحد المسارات التي سيسعى لتطبيقها بحذافيرها، وتنص هذه المادة على أن "اللغة الرسمية والمشتركة لشعب إيران هي اللغة الفارسية. ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب المدرسية بهذه اللغة والكتابة، ولكن مع استخدام اللغات المحلية والعرقية في الصحافة ووسائل الإعلام الجماهيرية وتدريس أدبها في المدارس مجاناً، إلى جانب اللغة الفارسية". ويتوقع أن يعمل بزشكيان على مزيد من الإصلاحات الداخلية لمصلحة القوميات الإيرانية، بمن في ذلك الأكراد.
وفي السياق نفسه، تبدو القوى والنّخب الكردية متأكدة من أن الإصلاحات التي قد ينفذها بزشكيان داخلياً، من خلال رفع القيود المفروضة على الإنترنت مثلاً ومنع الجهاز المسمى "الشرطة الأخلاقية" من تقييد النساء بالحجاب الرسمي، وضبط أشكال القمع المفتوح ضد المعارضين السياسيين وزيادة الانفتاح على الأقليات الدينية والقومية والمناطقية، ستعود كلها بالهدوء والتنمية والسلام الداخلي، وهو ما سينعكس على كل دول الجوار، بالذات إقليم كردستان.
في حديث إلى "النهار العربي"، شرح الكاتب والباحث شكري أخانجي ما سمّاها رغبة إقليم كردستان في خلق التوازن عبر إيران، وهو ما يوفره رئيس مثل بزشكيان، وقال: "في المحصلة، يشعر إقليم كردستان أنه الجهة العراقية الوحيدة التي من دون سند إقليمي واضح وثابت، عكس القوى الشيعية والسّنية في البلاد. لأجل ذلك، حينما برز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كزعيم سياسي إصلاحي أوائل القرن استخدم الإقليم ذلك لدفع المناهضة التركية للمشروع والحضور الكردي في الملف العراقي. وراهناً، فإنه سيسعى لما يمكن تسميته استثمار الهوية الذاتية والموضوعية للرئيس الإيراني الجديد على ثلاثة مستويات من التوازن: فهذا الرئيس الجديد سيكون أكثر قبولاً لنوع من التوازن الهادئ مع الولايات المتحدة، خصوصاً في دولة جارة وحساسة مثل العراق، وهذا ما سيخدم إقليم كردستان وسعيه للتوازن بينهما. كذلك سيمنع الرئيس الإيراني الجديد تمدداً أمنياً وعسكرياً إيرانياً داخل إقليم كردستان تستفيد منه القوى العراقية الراغبة بإضعاف الإقليم، فهو سيميل للالتزام بالاتفاق الأمني من العراق. وأخيراً، فإن الرئيس الجديد سيحرص على إضفاء توازن إيجابي مريح مع تركيا، وهذا أيضاً لمصلحة إقليم كردستان. فالمعادلات بالنسبة إلى الرئيس الجديد ونزعته الإصلاحية ليست صفرية، الأمر الذي ما يفضله الإقليم".
كان رئيسي قد وعد بزيارة إقليم كردستان قبل نهاية هذا العام، وهو ما تتطلع القوى السياسية في الإقليم لأن يتحقق في عهد الرئيس الجديد، متوقعة أن يزيد حجم التعاون التجاري والاقتصادي بين الطرفين. فإيران تعتبر التعاون الاقتصادي مع إقليم كردستان رافعة لاقتصاد محافظاتها الغربية، حيث أعلى مستويات الفقر في البلاد على الإطلاق، فيما يتطلع الإقليم إلى الملف الاقتصادي كرافعة لعلاقات سياسية متينة مع إيران.