من المرجح أن تستضيف العاصمة العراقية بغداد خلال الفترة المقبلة لقاء سورياً - تركياً رفيعاً يهدف إلى المصالحة بين البلدين، بعد قطيعة تعود إلى بداية "الثورة" في سوريا قبل 13 عاماً. لكن للقاء أبعاد أخرى كما يشرح مصدر عراقي قريب إلى دوائر القرار لـ"النهار العربي"، تتعلق بسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجديدة وانعكاساتها على العراق.
ويقول المصدر إن "الرئيس التركي يسعى إلى فتح مرحلة جديدة في العلاقات الخارجية لبلاده من باب العراق، بخاصة مع بغداد ودمشق".
ويمكن أن تنعكس الوساطة العراقية بين سوريا وتركيا إيجاباً على تعزيز الدبلوماسية العراقية وفرص السلام التي تمثلها العاصمة بغداد، إلا أنها تواجه عائقاً يتمثل بالجانب الإيراني الذي لا يرغب بهذه الخطوة التي ترعاها موسكو بين أنقرة ودمشق لأسباب أمنية واقتصادية تقلص نفوذ طهران في شمال شرقي سوريا، وفق تعليق المصدر العراقي.
ويضيف بأنه "بعد فشل أردوغان في عملياته العسكرية شمال العراق وسوريا ضد حزب العمال الكردستاني، صار يذهب باتجاه التحرك السياسي الدبلوماسي لتضييق الخناق على المعارضة التركية في بلدان الشرق الأوسط، ومنها حزب العمال الكردستاني، وهي مرحلة جديدة في رؤية الخارجية التركية".
ويؤكد أن "فكرة أردوغان لتطبيع العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية مع سوريا جاءت بعد زيارته لبغداد في نيسان (أبريل) 2024، وثمة جهود دولية تدفع بتلك الخطوة"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية كانت قد رحبت بتلك الفكرة لحسابات تعود بفائدة على الحكومة التي يقودها محمد شياع السوداني".
ومن ضمن الشروط التي قدمتها الحكومة للقبول بالوساطة وإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وقف العمليات العسكرية التركية في إقليم كردستان، بحسب المصدر.
وكان أردوغان قد أعلن في منتصف تموز (يوليو) الجاري، قرب نهاية العملية التي تنفذها القوات المسلحة التركية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق وسوريا.
ويرى المحلل السياسي غازي فيصل أن "مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توجيه رسائل متعددة إلى الرئيس السوري بشار الأسد لتطبيع العلاقات بين البلدين، تؤكد نظرة تركيا المتغيرة إلى المواقف الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية في العلاقات بين تركيا وبلدان الشرق الأوسط، وهذا مبدأ جداً مهم في المصالح المتبادلة، خصوصاً أن تركيا اليوم تركز على مصلحتها في إعادة العلاقات مع سوريا".
ويقول فيصل لـ"النهار العربي" إن "تركيا اليوم تسعى من خلال هذه المبادرة إلى ضمان استراتيجي للأمن القومي عبر إبعاد حزب العمال الكردستاني، وهذا يتضمن إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية على مستوى قوي مع سوريا".
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد أعلن يوم 13 تموز (يوليو) الجاري قرب عقد اجتماع في بغداد يضم مسؤولين سوريين وأتراكاً لبحث الأزمة السورية.
وقال حسين في تصريح تلفزيوني إن "هناك مبادرة من العراق للتوسط بين أنقرة ودمشق، والتواصل مستمر في هذا المجال"، لافتاً إلى أنه التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في واشنطن من أجل ترتيب لقاء في بغداد مع الجانب السوري، وفق وكالة الأنباء العراقية (واع).
وتابع الوزير العراقي أن "هناك أيضاً تواصلاً مستمراً من العراق مع الجانب السوري، وسيتم تحديد موعد لعقد هذا اللقاء في بغداد"، مبيناً أن "العراق لا يأخذ الضوء الأخضر من الآخرين، ولكن نتباحث مع الأصدقاء والحلفاء بشأن الخطوات التي نتخذها، بخاصة ما يتعلق منها بأمن المنطقة واستقرارها".
وقد أعربت دمشق عن شكرها وتقديرها للدول التي "تبذل جهوداً صادقة لتصحيح العلاقة السورية - التركية". وقالت الخارجية السورية في بيان إن "سوريا تؤكد أن أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة ضماناً للوصول إلى النتائج المرجوة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية".