أكّدت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" في التقرير نصف السنوي الذي أصدرته مؤخّراً، أن تنظيم "داعش" الإرهابي ضاعف هجماته في كل من سوريا والعراق، وأعاد تنظيم صفوفه منذ بداية العام، ما شكّل مصدراً لقلق أمني وسياسي في إقليم كردستان.
قالت القيادة الأميركية في تقريرها، إنها رصدت 153 هجوماً لـ"داعش" في كل من سوريا والعراق خلال الشهور الستة الأولى من هذا العام، وهي وتيرة لو استمرت خلال ما بقي من العام الجاري، فإن هجمات التنظيم ستتضاعف مقارنة بعام 2023. القيادة عزت ذلك إلى زيادة مستويات التنظيم والتنسيق بين عناصره، بعد سنوات من الانكماش والضغوط الأمنية والعسكرية التي تعرّض لها.
أعلنت القيادة الأميركية استمرار عملياتها العسكرية المشتركة مع حلفائها وشركائها في كل من سوريا والعراق، وبالذات الجهات الثلاث: الجيش العراقي وقوات "البيشمركة" في إقليم كردستان و"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا، مؤكّدة قيامها بـ 137 عملية مشتركة في العراق، و59 عملية في سوريا، أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر التنظيم، بمن فيهم 8 من كبار قادته، لكن مع ذلك زادت الهجمات.
ثلاثة مستويات
على الرغم من التطمينات السياسية والأمنية التي تبذلها الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب لمختلف الحلفاء الميدانيين، بما في ذلك إقليم كردستان، المتعهدة بالاستمرار في الدعم حتى القضاء التام على التنظيم، فإن إقليم كردستان يستشعر قلقاً مضاعفاً من زيادة فاعلية "داعش".
يكشف مصدر أمني في إقليم كردستان لـ"النهار العربي"، أسباب قلق الإقليم من زيادة فاعلية "داعش" أكثر من غيره من الأطراف الإقليمية، ويقسمها إلى ثلاثة مستويات: "الحدود الجنوبية لإقليم كردستان مع باقي مناطق العراق، في محافظات كركوك وصلاح الدين ونينوى وديالى، هي أكثر المناطق التي ينشط فيها التنظيم، وترهل التنسيق الأمني بين القوات الأمنية العراقية وقوات ’البيشمركة‘، وبقاء فراغات أمنية واسعة في تلك المنطقة، وعدم فاعلية الألوية المشتركة بين الطرفين، هي سبب حدوث ذلك. كذلك لأن أعضاء التنظيم يعتقدون أن إقليم كردستان هو عدوهم الأول، لفاعلية الإقليم وقوات ’البيشمركة‘ ضدّهم طوال السنوات الماضية. وأخيراً لبقاء الأوضاع السياسية - الأمنية قلقة في المحافظات الواقعة ضمن إطار المادة 140 من الدستور العراقي، في كل من كركوك ونينوى بالذات، وهذا يزيد من التوتر والاستقطاب، ويفتح المجال لتنظيم ’داعش‘ ليزيد من مناهضته للإقليم".
وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، أن تعاونه مع أمن إقليم كردستان في الشهور الستة الأولى من هذا العام، أسفر عن اعتقال 11 مسلحاً من "داعش". وأضاف صباح النعمان، المتحدث باسم الجهاز، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية: "التنسيق بين جهاز مكافحة الإرهاب والأجهزة الاستخبارية في إقليم كردستان مستمر ويسير بوتيرة تصاعدية، أثمر تحقيق الأمان في المنطقة الفاصلة بين حدود الإقليم والمركز، وأسفرت العمليات عن العثور على مجموعة من المضافات وتدميرها بإسناد القوة الجوية العراقية".
في تطور نوعي، أعلنت "الأسايش" (الأمن العام) في إقليم كردستان قبل أيام، عن مهاجمة مسلحَين من تنظيم "داعش" متجراً في ناحية قره هنجير شرق محافظة كركوك، وهي تُعدّ من المناطق ذات الأغلبية الكردية المطلقة، ومرتبطة تجارياً وسكانياً بإقليم كردستان. وأوضحت مديرية "الأسايش" الكردية، أن المسلحَين حاولا "زرع عبوة ناسفة في حي بنجا علي، ما أسفر عن استشهاد منتسب في الشرطة العملية". في العملية الثالثة، قُتل منتسبان إلى الشرطة داخل سوق كركوك، وفي العملية الرابعة قُتل ضابط شرطة أمام مستشفى الجمهوري، إضافة إلى قيامهم بعدة أعمال إرهابية أخرى، وهي أعمال تتسمّ بالجرأة والمبادرة الاستثنائية.
حلقة ضعف سياسي
يتحدث الباحث والمعلّق السياسي رؤوف عبد الله لـ"النهار العربي" عمّا سمّاه تداخل الملف الأمني مع السياسي في إقليم كردستان، يقول: "عموماً، مصدر قلق الإقليم الأساسي هو شعوره بأنه حلقة ضعف سياسي ضمن مجموعة الكيانات والجهات المحاربة لتنظيم ’داعش‘. ففي الإقليم، ثمة استقطاب سياسي واضح بين الحزبين الرئيسيين، والعلاقة مع بغداد متوترة، وإن كان ثمة بعض التوافقات الثنائية، لكن إقليم كردستان يشعر باستقواء القوى المركزية. إضافة إلى ذلك، للضغوط الأمنية والسياسية الإيرانية والتركية تأثير سلبي. لأجل ذلك، يعتقد الإقليم أن ذلك قد يغري تنظيم ’داعش‘، ويزيد من تأثيره في الاستقرار الداخلي".
ميدانياً، نفّذ "اللواء 14" من قوات "البيشمركة" الكردية و"اللواء 50" من الجيش العراقي عملية عسكرية مشتركة، طالت ضفاف نهر الزب الكبير، على التخوم المشتركة بين محافظات أربيل ودهوك والموصل، في القرى والتلال القريبة من جبال قره جوخ.
في الوقت نفسه، أعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية أنها، وبالتنسيق مع "الآسايش" في كردستان، دمّرت وكراً لتنظيم "داعش" في جبال بلكانة بمحافظة صلاح الدين. وقالت الخلية في بيان رسمي: "بالتنسيق العالي بين جهاز الأمن الوطني والمديرية العامة لعمليات جهاز آسايش - إقليم كردستان، وبإشراف ومتابعة وتخطيط خلية الاستهداف الجوي التابعة لقيادة العمليات المشتركة واستخدام الموارد الفنية، تمّ رصد الوكر وبداخله عناصر إرهابية وتدميره".