بات ملف المخدرات في العراق مرهقاً للجهات الحكومية مع تفشي هذه الآفة بين الشباب على نطاق واسع، وتحوّل بلاد الرافدين خلال السنوات الأخيرة إلى سوق رائجة لتجارة المخدرات الأفغانية والإيرانية والسورية، وممراً نحو دول المنطقة.
ولا يمرّ يوم من دون أن تعلن القوات الأمنية العراقية القبض على عشرات المتورطين بتجارة المخدرات في بغداد وباقي المحافظات، وتدخل أحياناً في مطاردات "شبه سينمائية" مع المتورطين في الاتجار بالمواد المخدّرة كالكريستال والكبتاغون، ونشرها بين الشباب العراقي، خصوصاً في الأحياء الفقيرة والمحافظات الجنوبية التي يعاني شبابها البطالة والفقر والحرمان.
يقول عبد المنعم الربيعي، الباحث والأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع، لـ"النهار العربي"، إنّ تراجع فرص العمل، وغياب الرقابة الحكومية، والحروب، والأزمات التي تعصف في البلاد، والضغوط النفسية، هي أهم أسباب إقبال الشباب العراقي على تعاطي المخدرات، محذّراً من أن استفحال هذه الظاهرة يصعّب الجهود الحكومية المبذولة للسيطرة عليها.
من أين... إلى أين؟
في صيف العام 2023، أكّد وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، أنّ المخدرات تأتي إلى العراق من إيران وسوريا، من خلال شبكات مترابطة، مؤكّداً أنّ الحرب على المخدرات مفتوحة وستطول، فهذه التجارة "فيها مصالح كثيرة، وتدرّ أرباحاً كبيرة".
يقول مصدر أمني عراقي لـ"النهار العربي": "هناك مخدرات تُصنع في سوريا، مثل أقراص الكبتاغون، ثم تهرّب إلى العراق عن طريق شبكات دولية مرتبطة بمسؤولين عراقيين"، فيما تدخل مخدرات الكريستال والحشيشة إلى البلاد من المنافذ الحدودية مع إيران وأفغانستان "بواسطة شبكات ترتبط بمتنفذين في جنوب العراق".
يُضيف المصدر نفسه: "تُوزّع هذه المخدرات محلياً، على الشباب من الجنسين، ومنها ما يُهرّب إلى السعودية والأردن ولبنان من خلال شبكات تهريب دولية تنشط في العراق".
ويرسم المصدر خريطة لتوزيع المخدرات في العراق. يقول: "تعدّ محافظة ميسان - إحدى محافظات جنوب شرقي البلاد المحاذية للحدود مع إيران - الممر الرئيسي للمخدرات إلى محافظتي البصرة وذي قار. وتعدّ محافظة بابل، وسط البلاد، الممر الرئيسي للمحافظات المجاورة وللعاصمة بغداد ولإقليم كردستان شمالي البلاد".
شخصيات نافذة
يقول مروان المحمداوي، وهو مدير سابق لمنظمة أهلية معنية بملف المخدرات، إنّ "شخصيات نافذة تقف وراء تفشي المخدرات في العراق وتحرص على استمرار تدفقها إلى البلاد، وإبقاء طرق تهريبها مفتوحة، على الرغم من الجهود الحكومية الحثيثة لمعالجتها".
يضيف المحمداوي لـ"النهار العربي": "نعلم أنّ جهات مسلحة في سوريا تصنّع الكبتاغون وتدخله إلى العراق، وأنّ جهات مسلحة أخرى تُدخل الكريستال والحشيش من أفغانستان وإيران، والهدف الأول هو تحقيق الأرباح الطائلة، التي صارت مصدراً مهمّاً لتمويل المسلحين، إضافة إلى استخدام المواد المخدرة وسيلة للضغط على الشباب واستغلالهم لأغراض مشبوهة، بينها الإتجار والتوزيع والدعارة والإجرام".
يعترف المحمداوي بالجهود التي تبذلها الحكومة العراقية، إلّا أنّها "تواجه عراقيل كثيرة، كالتدخّلات السياسية ونقص الكفاءة الحديثة في التقصي والملاحقة".
على الرغم من هذه العراقيل، يحتل العراق المرتبة الأولى عربياً في عملية مكافحة المخدرات. ففي العام 2022، اعتقلت السلطات العراقية 17 ألف تاجر وحائز مخدرات، منهم 123 أجنبياً. وفي العام 2023، قبضت على 9 آلاف تاجر وحائز، وضبطت 12 طناً من المخدرات والمؤثرات العقلية. ومنذ بداية العام 2024، قبضت الأجهزة الأمنية على 16 ألف تاجر وحائز، وضبطت 12 طناً من المخدرات.
كذلك، أصدرت المحاكم المختصة في العراق أكثر من 80 حكماً بالإعدام بحق مدانين بالإتجار بالمواد المخدرة، محليين ودوليين، خلال العام الجاري.
مؤتمر بغداد الثاني
إلى ذلك، شهدت العاصمة العراقية انعقاد "مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات"، الذي أكّد المشاركون فيه ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لتعزيز الأمن الإقليمي والعالمي لمواجهة تحدّي انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية وتهريبها.
وأوصى المؤتمر في ختام بيانه، بتعزيز آليات العمل المشترك واعتماد مبدأ التكامل في العمل الأمني، لقطع طرق تهريب المخدرات ومنع زراعتها وتصنيعها بمختلف أشكالها، ومتابعة العصابات التي تنشط في هذا المجال وتفكيكها والقضاء عليها.
وشارك في هذا المؤتمر ممثلون عن السعودية والأردن والكويت وإيران وتركيا وسوريا ولبنان ومصر، إضافة إلى ضيوف شرف ممثلين بالأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، ورئيس "جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية"، وممثلي مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.