النهار

قانون عفو عراقي "محبوك" طائفياً يُغضب الأيزيديّين
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
انسحبت "الكتلة اليزيدية" من جلسة البرلمان العراقي التي كانت مخصصة لمناقشة قانون العفو العام المنوي إصداره قريبا، ما يُشكل مؤشراً إلى مأزق قانوني/سياسي ذو بُعد طائفي محتمل. فاليزيديون يعتقدون أن القانون سيشكل أداة لإفلات آلاف مرتكبي الجرائم بحقهم، بالذات من أعضاء تنظيم "داعش" الإرهابي، من المحاكمات والعقاب.
قانون عفو عراقي "محبوك" طائفياً يُغضب الأيزيديّين
إيزيديون عراقيون باللباس التقليدي.
A+   A-
انسحبت "الكتلة الأيزيدية" من جلسة البرلمان العراقي التي كانت مخصصة لمناقشة قانون العفو العام المنوي إصداره قريباً، ما يشكل مؤشراً إلى مأزق قانوني - سياسي ذي بُعد طائفي محتمل. فالأيزيديون يعتقدون أن القانون سيشكل أداة لإفلات آلاف مرتكبي الجرائم بحقهم، بالذات من أعضاء تنظيم "داعش" الإرهابي، من المحاكمات والعقاب.
 
أسباب الرفض
ساسة ونشطاء أيزيديون تحدث إليهم "النهار العربي" عن أسباب رفضهم هذا القانون، والآليات التي سيتبعونها في حال إقراره في البرلمان العراقي، اتفقوا على رفض المشروع. فالأيزيديون يعتقدون أن القانون سيمنح العفو والإفلات من المحاكمات لآلاف المتورطين بجرائم طالت مناطقهم ومجتمعاتهم المحلية خلال الأعوام 2014-2017، حينما احتل تنظيم "داعش" مناطقهم شمال محافظة نينوى (الموصل) وغربها. هذا الإفلات الذي قد يُعيد المئات منهم إلى النشاط الميداني، خصوصاً أن المناطق الواقعة جنوب إقليم سنجار (الأيزيدي) لا تزال تشهد عمليات نشطة لتنظيم "داعش"، فيما سيشجع القانون، بحسب النشطاء الأيزيديين، أفراداً آخرين على الانخراط في ممارسة أعمال العنف المناهضة لهم. 
 
ويورد النشطاء الأيزيديون مجموعة من الأدلة التي تؤكد جدية مخاوفهم في حال صدور هذا القانون. فالقوى السياسية العراقية ترفض منذ سنوات مناقشة قانون خاص تقدم به العديد من الشخصيات البرلمانية الأيزيدية يحدد ما جرى بحق أبناء الديانة الأيزيدية خلال تلك السنوات كـ"إبادة جماعية"، وتالياً تطبيق ما يستتبع ذلك من مسارات قانونية وتربوية وحقوقية. كما يستذكرون عدم حماسة مؤسسات الدولة والقوى السياسية لإقرار محاكمة خاصة لمرتكبي الجرائم أو حتى بذل جهود لجمع الأدلة واستراتيجيات حكومية تمنع إمكان تكرار تلك المأساة بأي شكل. 
 
اللافت للانتباه، أن قرار مقاطعة الجلسة البرلمانية، ورفض حتى مناقشته، كان محل إجماع من مختلف التيارات السياسية الناشطة ضمن المجتمع الأيزيدي. فالنائب محما خليل المقرب من الحزب الديموقراطي الكردستاني قاطع الجلسة، ومثله فعل باقي البرلمانيين الأيزيديين، حتى أكثرهم اختلافاً مع الديموقراطي الكردستاني. 
 
"فرق عُملة"
وأكثر ما يثير "غيظ" القوى والمجتمع الأيزيدي العراقي هو وقوعهم "فرق عُملة" بين مزاحمة القوى السياسية الرئيسية في البلاد. فقانون العفو العام، المُقترح من القوى "السُّنية"، كان واحداً من الشروط الأساسية التي على أساسها دخلت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ودعمتها. والأحزاب والقوى السياسية المنخرطة في الإطار التنسيقي الشيعي، تشترط على نظيرتها السّنية موافقتها على قانون برلماني آخر، يُحدث تغيرات جذرية على القانون الحالي للأحوال الشخصية، "ليكون أقل مدنية وأكثر طائفية"، بحسب ناشطين عراقيين. 
 
يرى الأيزيديون أنفسهم "ضحايا" هذه المساومات السياسية، ويتهمون القوى السياسية الرئيسية في العراق بعدم المبالاة بالبعد الحقوقي لعشرات الآلاف من أبنائهم، وعدم الانتباه إلى خطورة ما قد يطالهم مستقبلاً، مقابل وعود شعبوية قدموها لقواعدهم الانتخابية، أو خطابات ومصالحة طائفية يودون تحقيقها. 
 
الناشط والباحث الأيزيدي خسرو فواز هادي شرح في حديث إلى "النهار العربي" أسباب التوتر والمخاوف الخاصة التي تعتري أبناء الديانة الأيزيدية راهناً، المتأتية من إحساسها بتراكم ظروف داخلية وإقليمية وحتى دولية، تؤدي فعلياً إلى تجاوز قضيتهم. وأضاف: "على الأقل ثمة ثلاثة عوامل خلال الشهور الماضية زادت من مخاوف الأيزيديين خاصة، فالعفو العام الذي أصدرته الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا عن مئات الأشخاص المقربين من التنظيمات المتطرفة، والإجراءات التي اتخذتها السلطات العراقية لمنع تسلل الكثير منهم إلى الأراضي العراقية، خصوصاً إلى محافظة نينوى، أعادت إلى الذاكرة الأيزيدية إمكان تكرار ما حصل في صيف عام 2014. إلى جانب ذلك، فإن الإصرار الغريب من وزارة الهجرة والمهجرين العراقية على إغلاق مخيمات اللاجئين الأيزيديين في إقليم كردستان، بأي ثمن وطريقة، لتجبر مئات الآلاف من الأيزيديين على العودة إلى بيئتهم المحلية في منطقة سنجار، من دون آليات حماية أو تعويض مناسب أو تهيئة للبيئة المحلية، إنما يؤشر بالنسبة إليهم إلى مدى خفة التعامل الحكومي مع قضيتهم". 
 
مخاوف من تغيّرات إقليمية
وتابع خسرو هادي: "الأحداث الإقليمية، بالذات تهديدات تركيا بإمكان الهجوم البري المباشر على منطقة سنجار، بدعوى وجود تنظيمات مسلحة مقربة من حزب العمال الكردستاني هناك، وما قد يستتبعه ذلك من اندفاعة جديدة تجاه مناطقهم، خصوصاً بعد فشل الحكومة العراقية في تطبيق اتفاقية سنجار مع حكومة إقليم كردستان، ثم إمكان عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وإعلانه انسحاباً مفاجئاً من سوريا والعراق، وما قد يتسبب به ذلك من خلط للأوراق، كل ذلك يدفع المجتمع الأيزيدي إلى رفض مطلق لمثل هذا القانون - العفو". 
 
في الجهة المقابلة، يقول الساسة السّنة المدافعون عن القانون إنهم لا يتطلعون إلى العفو عن أي شخص أجرم وارتكب جرائم بحق الأيزيديين العراقيين، بل فقط عن الذين لم تتلطخ أيديهم بالجرائم، مذكرين بأن القوى السياسية السّنية لم تعترض على كل المحاكمات، ولا حتى العقوبات التي وقعت بحقّ المجرمين طوال هذه السنوات. لكنهم يطالبون بإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين ممن سُجنوا طوال سنوات جراء الشبهات أو بحسب تقارير كيدية أو قوانين غير موضوعية مثل "المادة 4 إرهاب".
 
 

اقرأ في النهار Premium