النهار

الانتخابات البرلمانية الأردنية... السلطات في مواجهة ساخنة مع "المال الأسود"
عمّان - محمد الرنتيسي
المصدر: النهار العربي
أثارت إحالة الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن ثلاثة أشخاص من بينهم أمين عام أحد أشهر الأحزاب الجديدة الذي يقوده وزير سابق، إلى النائب العام، ردود فعل واسعة، عبر أغلبها عن حالة غضب تتزامن مع بروز أحاديث عن قيام أحزاب ببيع "مقاعد ترشح" للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في العاشر من أيلول (سبتمبر) المقبل.
الانتخابات البرلمانية الأردنية... السلطات في مواجهة ساخنة مع "المال الأسود"
من انتخابات أردنية سابقة. (أرشيف)
A+   A-

أثارت إحالة الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن ثلاثة أشخاص من بينهم أمين عام أحد أشهر الأحزاب الجديدة الذي يقوده وزير سابق، إلى النائب العام، ردود فعل واسعة، عبر أغلبها عن حالة غضب تتزامن مع بروز أحاديث عن قيام أحزاب ببيع "مقاعد ترشح" للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في العاشر من أيلول (سبتمبر) المقبل.

ويتزامن ذلك مع الكشف عن حالات بيع ناخبين لأصواتهم لصالح مترشحين، لكن في ما يتعلق بالأشخاص الثلاثة، فتتلخص تفاصيل القضية وفق المعلومات الرسمية، بأنها تتعلق بمنشور على "فايسبوك"، تضمَّن إعلان انسحاب من الترشح للانتخابات النيابية المقبلة عن مقعد الشباب ضمن قائمة حزبية، وأن هذا المنشور جاء كإعلان عن رفض صاحبه دفع مبالغ مالية مقابل ترشُّحه عن قائمة الحزب الذي ينتمي إليه.

عرض موقع حزبي للبيع
قبل ذلك، استوقفت تصريحات لوزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، الكثير من الأردنيين، عندما قال في حوار مع موقع "أخبار اليوم" الإلكتروني، إن "الأخطر بما يجري اليوم على الساحة الانتخابية الأردنية، هو أن الموقع في القائمة الحزبية، أصبح معروضاً للبيع لمن يدفع أكثر".

وأضاف: "أحد الأشخاص في محافظة جنوبيّة، عُرض عليه من قبل حزب ما، أن يحتلّ الترتيب الرابع في قائمة ذلك الحزب مقابل 200 ألف دينار (ما يزيد على 282 ألف دولار)، أي بمعنى أنَّ المواقع الأولى والمضمون نجاحها في القوائم الحزبيّة، سوف يَشغلها من يملك المال، وما ذلك إلا عملية شراء مفضوحة".

وترمي السلطات الأردنية بكل ثقلها في مواجهة ما يطلق عليه "المال الأسود" أو "المال السياسي الفاسد"، خصوصاً أن الانتخابات البرلمانية المقبلة تأتي في ظل تحول سياسي تشهده البلاد بعد إقرار قانونين جديدين للانتخاب والأحزاب، وكذلك تعديلات دستورية مهمة، وتسعى في الوقت ذاته إلى التصدي لكل ما شأنه أن يضرب نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، حتى لا يدفع إلى مزيد من العزوف عن المشاركة بها، أو الإطاحة بالمرحلة الانتقالية التي تمهد لصعود الأحزاب إلى قبة مجلس النواب وتشكيل حكومات برلمانية.

وسبق أن أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب غير مرة خلال الفترة الماضية، عن ضبط قضايا "تأثير على إرادة الناخبين بالمال"، وإحالتها إلى الادعاء العام، حيث يلجأ مترشحون من خلال مقربين منهم إلى شراء أصوات ناخبين بمبلغ مالي، مستغلين ظروفهم المعيشية الصعبة، أو رغبتهم هم أنفسهم ببيع أصواتهم بعيداً عن الظروف المادية.

وتنص المادة 59 من قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 6 لسنة 2016 على أنه "يعاقب بالأشغال مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات كل من أعطى ناخباً مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغاً من المال أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع، وقَبِل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة مبلغاً من المال أو قرضا أو منفعة أو أي مقابل آخر لنفسه أو لغيره بقصد أن يقترع على وجه خاص أو أن يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو للامتناع عن الاقتراع".

سعر الصوت الانتخابي
ووفق ما يؤكد لـ"النهار العربي" مسؤول حملة انتخابية لأحد المترشحين، فإن "ما يسمى بالمال الأسود، ينتشر أكثر فأكثر. كلما اقترب موعد الاقتراع للانتخابات يزداد حجم المبلغ المدفوع لمن يبيع صوته، كون المنافسة بين المترشحين تكون في أوجها".
 

ويضيف ذلك المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "ما تضبطه السلطات الرسمية من قضايا تتعلق بالمال الأسود، هو جزء فقط من عمليات تتم في الخفاء، وينجح المتورطون فيها بإتمامها بعيداً عن أعين الرقابة"، مستدركاً بالقول إن المترشح الذي يقود هو حملته الانتخابية، لا يقبل باللجوء إلى المال السياسي الفاسد، ويعتمد على قاعدته الشعبية العريضة في تحقيق النجاح.

ويلفت إلى أن "بيع وشراء الأصوات بدأ في وقت مبكر لهذه الدورة الانتخابية، كون الانتخابات ستجرى وفق قانون جديد ومعطيات مختلفة عن السابق، ما يدفع بعض المترشحين إلى الحرص على محاولة ضمان أصوات أكبر عدد من الناخبين"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن سعر الصوت الواحد يراوح بشكل عام بين 20 إلى 50 ديناراً (28 دولاراً إلى 70)، وقد يرتفع إلى الضعف وقت الاقتراع، خصوصا في ساعته الأخيرة.

تعويل على وعي المواطن
من جهتها، تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية شذى الليالي العيسى لـ"النهار العربي"، إن "المال السياسي الفاسد ليس جديداً على المشهد الانتخابي في الأردن ويمتد لسنوات طويلة مضت، إلا أن المملكة استطاعت أن تتصدى له وتحد من استخدامه بدرجة كبيرة، خصوصاً مع تكثيف الدور الرقابي وكذلك التشريعي الذي يغلظ العقوبات على المتورطين بجرائم من هذا النوع".

وتضيف العيسى، أن "الانتخابات النيابية المقبلة، تعد استثنائية وأهميتها كبيرة، كونها تعكس تصوراً مهماً عن مدى نجاح التوجه الذي يسير فيه ملف التحديث السياسي"، معتبرة في الوقت ذاته أن "تشدد السلطات في مواجهة كل ما يمس سمعة الانتخابات من حيث الشفافية والنزاهة، تضاعف أكثر فأكثر، وهو ما يظهر في نشاطها بضبط العديد من التجاوزات وإحالتها للقضاء".

وتبدي أسفها من الحديث عن "لجوء أحزاب إلى استخدام المال السياسي الفاسد، رغم أن الأحزاب هي من يعول عليها في أن تقود المشهد الإصلاحي، بتشكيلها الغالبية في البرلمان، وبالتالي تشكيلها الحكومات"، معتبرة أن "يجب ضبط مثل هذا النوع من التجاوزات، وضمان عدم استفحاله ووصوله إلى الظاهرة، وهو ما من شأنه أن يضرب عملية التحديث السياسي في مقتل".

وتشير إلى أن 'الرهان الأكبر هو على وعي المواطن الأردني، الذي يطالب أصلاً ببرلمان قوي ونواب على درجة عالية من القوة والكفاءة في الرقابة والتشريع والمواقف من مختلف الملفات التي تمس حياته ومستقبله، وبالتالي من المفترض أن يحرص المواطن على اختيار النائب الكفؤ لا الضعيف الذي يسعى للوصول إلى مقعد نيابي بالمال السياسي الفاسد".

اقرأ في النهار Premium