يسود وجوم سياسي وشعبي محافظة نينوى العراقية، بسبب خلاف مركب داخل مجلس المحافظة، بشأن تعيين "المسؤولين الجدد" عن الوحدات الإدارية للمحافظة، وصلت إلى درجة مقاطعة بعض الكتل للمجلس، وتعليق أخرى عضويتها فيه.
بدأت المزاحمة منذ أسابيع عدة، حين صوت "تحالف نينوى المستقبل" ضمن مجلس المحافظة على توزيع المناصب الإدارية منفردةً، فانتخب علي صالح ماضي لمنصب قائمقام قضاء الحضر، ورعد ناصر لقضاء تلكيف، وسيدو خيري لقضاء سنجار، وخليل هابش لقضاء تلعفر، إضافةً إلى التصويت على تعيين علي محمد جديع مسؤولاً على ناحية الشورة، وأسامة الشاهر مديراً لناحية القيارة، واعداً باستكمال التعيينات في المستقبل.
لاقت قرارات المجلس اعتراضاً شديداً من "تحالف نينوى الموحدة"، الذي اعتبره غير مطابق لأعراف التوافق السياسي ضمن مجلس المحافظة، خصوصاً في هذا الظرف الحساس. فقاطع أعضاء الحزب الديموقراطي الكردستاني من ضمن "تحالف نينوى الموحدة" جلسة التصويت، فيما أعلنت الكتلة الموالية للمحافظ السابق نجم الجبوري تعليق عضويتها في المجلس.
كتلتان متناحرتان
بحسب نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في أواخر العام الماضي، انقسم مجلس محافظة نينوى، المؤلف من 29 مقعداً، في كتلتين: تحالف نينوى المستقبل، المؤلف من عدد من الكتل الصغيرة والفائزين فردياً، ويضم 16 مقعداً، يسيطر عليه قائد الحشد الشعبي فالح الفياض، ويُعتبر ذراع الإطار التنسيقي العراقي في المحافظة؛ وتحالف "نينوى الموحدة"، الحائز 13 مقعداً، ويضم في الأساس كتلة المحافظ السابق نجم الجبوري مع الحزب الديموقراطي الكردستاني.
المحافظ عبد القادر الدخيل لم ينفذ قرارات المجلس، رغبة في عدم زيادة الشرخ السياسي والاجتماعي ضمن المحافظة، الأمر الذي دفع محمد الجبوري، نائب رئيس مجلس المحافظة والعضو في "تحالف نينوى المستقبل"، إلى جمع تواقيع أعضاء المجلس، بغية استجواب المحافظ. لكن الأخير يستند في استنكافه عن تطبيق القرارات إلى دعم سياسي وإداري من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الراغب في المزيد من التهدئة في المحافظة، بغية عدم الوصول إلى لحظة "شقاق قومي". فمصادر مقربة من رئيس الوزراء تؤكد رفضه استبعاد كتلة الحزب الديموقراطي الكردستاني، وهو التيار السياسي المعبر تاريخياً وتقليدياً عن تطلعات أكراد المحافظة، الذين لا تقل نسبتهم عن ربع سكان المحافظة.
تستند كتلة "نينوى المستقبل" في قراراتها إلى المادة 115 من الدستور العراقي، الذي يمنح مجلس المحافظات الحق في تعيين رؤساء المحافظات. وما دام التحالف يستحوذ على "النصف زائداً واحداً" من أعضاء المجلس، فإنه يطبق حقوقه الدستورية فحسب.
لكن الكتلة الأخرى، "تحالف نينوى الموحدة"، ترى أن مبدأ التوافق كان يسود تشكيل كل الحكومات المحلية في مختلف محافظات العراق، خصوصاً بين المكونات القومية والطائفية، كمبدأ عام يؤطر ويؤمن السلام الاجتماعي في البلاد. وتضيف أن الكتلة الأخرى تكونت بضغط من الميليشيات المسيطرة على مختلف أنحاء المحافظة، وترغب في كسر نفوذ الحزب الديموقراطي الكردستاني ومكانة المحافظ السابق نجم الجبوري، حيث حاز الطرفان المركزين الأول والثاني في الانتخابات المحلية.
شقاق سياسي
يقول جبار الراوي، الباحث المتخصّص في الشؤون الأمنية لـ"النهار العربي" إن ثمة مخاطر أمنية متأتية من هذا الانشقاق السياسي الأهلي، مشبهاً الأمر بما حدث بعد انتخابات 2013 المحلية.
ويضيف: "ليست نينوى محافظة عادية، بل هي إقليم سياسي وجغرافي مصغر لكل العراق، سواء بتنوعه القومي بين العرب والأكراد، أو الطائفي الشيعي - السنّي. لأجل ذلك، وفي حال عدم حدوث توافق وآلية ميثاقية شبيهة بما يحدث في المركز، فإنها ستواجه ظروفاً مريرة، مثلما حدث في أواخر عام 2013، حين تطلعت كتلة المحافظ السابق أثيل النجيفي ضمن مجلس المحافظة إلى استبعاد الحزب الديموقراطي الكردستاني، وتالياً الأغلبية المطلقة من الأكراد، من الحكومة المحلية، فحدثت مواجهة سياسية شديدة القسوة وقتئذٍ، كانت ذات تأثير سلبي جداً على الأحوال الأمنية التي حدثت بعد أشهر قليلة، وأدت إلى سقوط المدينة في قبضة ’داعش‘ الإرهابي".
يتابع الراوي قائلاً: "القوى المركزية، خصوصاً المقربة من الإطار التنسيقي والحشد الشعبي، تنفذ حساباتها المركزية ورغبتها في استبعاد الديموقراطي الكردستاني عبر مجلس محافظة نينوى، مستندة إلى شخصيات غير شعبية وآليات غير توافقية، وهذا يؤدي إلى المزيد من سوء التفاهم والتنسيق، خصوصاً في هذه الأوقات التي تشير فيها كل التقارير إلى تنامي مستويات هجمات تنظيم داعش وزيادة تنظيمها".
ويخشى مراقبون أكراد أن ينعكس الوضع ضمن مجلس محافظة نينوى على أحوال محافظة كركوك. فقد يؤدي دعم أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني ضمن مجلس محافظة نينوى لكتلة "نينوى المستقبل" إلى أن يعقد الديموقراطي الكردستاني توافقاً من الكتل العربية والتركمانية ضمن مجلس محافظة كركوك، ويتم تالياً استبعاد الاتحاد الوطني الكردستاني.