النهار

أكراد كركوك خائفون: سياسة التّعريب جعلتنا أقلية!
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
يخاف الأكراد من استمرار سياسات التعريب في محافظة كركوك المتنازع عليها، وإحداث تغيرات ديموغرافية دائمة فيها، علماً أن الأكراد كانوا يشكلون نصف سكانها تقريباً.
أكراد كركوك خائفون: سياسة التّعريب جعلتنا أقلية!
كرديات في كركوك. (أ ف ب)
A+   A-
أثارت الأرقام التي كشفتها جهات كردية عن أعداد الضباط الأكراد المعينين في محافظة كركوك مؤخراً (31 من أصل 730 ضابطاً) موجة قلق في إقليم كردستان، مخافة استمرار "سياسات التعريب" في المحافظة المتنازع عليها، وإحداث تغيرات ديموغرافية دائمة فيها، علماً أن الأكراد كانوا يشكلون نصف سكانها تقريباً.
 
أرسلت أسماء الضباط المعيّنين الجدد من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى وزارة الداخلية العراقية، التي أصدرت أمراً بتعيينهم ضمن ملاك "الضباط المتقاعدين"، فيما كان 90 في المئة من المعيّنين من أبناء العرب. ويعتبر الأكراد ذلك واحدة من ثلاث آليات تتبعها الحكومة الاتحادية والمحافظ الذي تعيّنه، لإحداث تغيير في المحافظة، إذ يشيرون إلى منح السكان العرب الأراضي الحكومية في مختلف أنحاء مدينة كركوك والمدن الرئيسية في المحافظة ليبنوا عليها أحياء سكنية جديدة، ومنع الأكراد النازحين من المحافظة من العودة إليها بزيادة الإجراءات الأمنية والقضائية ضدهم. 
 
قال مكتب محافظة كركوك، وهو هيئة تابعة لحكومة إقليم كردستان، إن حملة التعريب تشمل تسهيل الحكومة المحلية نقل بطاقات الأحوال المدنية وبطاقات التموين والإقامة ضمن المحافظة بسهولة بالغة، ما يغري العرب في محافظات أخرى للقدوم والاستقرار في المحافظة، خصوصاً أن شركات النفط تزيد فرص العمل فيها. وأضاف أن نحو 100 ألف عائلة عربية استقرت في هذه المحافظة منذ عام 2017، وإجراء إحصاء أو استفتاء مستقبلي على هذا الأساس يُفقد الأكراد الأغلبية في المحافظة. 
 
تحذيرات مشددة
حذر فهمي برهان، رئيس هيئة المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، في برنامج تلفزيوني بثته وسيلة إعلام محلية، من خطورة إجراء الإحصاء والاستفتاء حالياً، فهذا يعني تثبيت القرى العربية التي بُنيت مؤخراً ضمن المحافظة، خصوصاً أن الهيمنة الإدارية والأمنية مكرسة في الكامل لغير الأكراد راهناً، ولا يُمكنهم تالياً تحديد التعديات على البنية الديموغرافية للمحافظة. 
 
جاء هذا التحذير مترافقاً مع ما قاله علي قلايي، مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني في محافظتي كركوك وصلاح الدين، إذ شدد على ضرورة منع خسارة الأكراد الأغلبية السكانية في كركوك، لأن هذا ممكن في مدة لا تتجاوز 15 عاماً، بسبب قلة الإنجاب في المجتمعات الكردية في عموم العراق، مقارنة بنظرائهم العرب، وبسبب تدهور أوضاع الأكراد الاقتصادية للكرد، والضغوط التي تمارسها الحكومة الاتحادية عليهم. 
 
من دون سند
بحسب الإحصاءات الرسمية العراقية، كانت نسبة الأكراد في محافظة كركوك 49 في المئة من مجموع السكان في عام 1957، وكان العرب 28 في المئة والتركمان 22 في المئة. لكن، بسبب سياسات التعريب التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة في ظل حكم البعث (1968-2003)، والحوافز التي كانت تقدم للعرب المستقدمين إلى المحافظة، ومنع الأكراد من تملك العقارات ونقل أماكن توظيفهم إلى المحافظات الأخرى، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم وتعويضهم جزئياً، تراجعت نسبتهم إلى 21 في المئة فقط، في إحصاء رسمي جرى في عام 1997، وتراجع التركمان إلى 7 في المئة، وصارت نسبة العرب 72 في المئة من سكان المحافظة. 
 
ترد الباحثة والكاتبة مايا أحمد هذا التراجع في الحضور الديموغرافي الكردي في المحافظة إلى ما أسمته "تراكب العاملين الموضوعي والسياسي"، وقالت لـ"النهار العربي": "في الانتخابات الأخيرة، تبين أن الوزن الانتخابي لتركمان كركوك هو أقل من 20 في المئة من مجموع السكان، في وقت كانوا يدعون تاريخياً أن المحافظة ذات صبغة تركمانية. لكن الهوية المدينية للتركمان ساهمت في تراجع نسبة الزيادة الديموغرافية في أوساطهم، مقارنة بالأكراد والعرب".
 
وتضيف أحمد: "كذلك، لم يعثر التركمان على سند سياسي قوي في العراق، فيما كان العرب يستندون إلى الحكومة الاتحادية، والأكراد إلى حكومة الإقليم، فهاجرت نسبة عالية من التركمان إلى تركيا".
 
المادة 140
اليوم، يحدث الأمر نفسه للأكراد: يقل إنجابهم وترتفع مستويات تمدنهم، فيما يشعرون بضغوط سياسية هائلة، على رأسها عدم وجود فوارق بين الحكومات العراقية السابقة والحالية في ما يخص الأكراد وحقوقهم، "لذلك يتقدم التغيير الديموغرافي من دون اعتراض شديد منهم"، كما تقول أحمد.
 
وكان الأكراد قد ظنوا أنهم حققوا "نصراً قانونياً" بإقرار المادة 140 من الدستور العراقي، التي تفرض على الحكومة الاتحادية في بغداد اتخاذ الإجراءات الكفيلة تفكيك عمليات التغيير الديموغرافي التي فرضت طوال عقود، واستعادة الأكراد أملاكهم، وتعويض المتضررين منهم.
 
لكن أعمال اللجنة 140 تعطلت فعلياً منذ عام 2014، بعد تصاعد الأزمة السياسية بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية، في وقتٍ كان الأكراد يشككون في عدم جدية الحكومة الاتحادية في تطبيق إجراءات تثبت الأكراد في المحافظة. فبقيت المنازعات السياسية والقضائية والاقتصادية مستمرة ضمن المحافظة، وتحديداً بعد عام 2017، حين أُخرجت قوات "البيشمركة" الكردية من المحافظة، وسيطرت الحكومة الاتحادية وفصائل "الحشد الشعبي"، فشعر الأكراد بالمزيد من الضغوط الحياتية والقانونية على أوضاعهم. 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium