تسود أجواء متوترة مختلف مناطق قضاء سنجار غرب محافظة نينوى، بعد قرار القضاء العراقي حلّ ثلاثة أحزاب سياسية كردية بدعوى ارتباطها بـ"حزب العمال الكردستاني" المحظور رسمياً بأمر من الحكومة العراقية، والمسيطر على أجزاء ومناطق في قضاء سنجار.
صدر القرار القضائي العراقي عن محكمة الهيئة القضائية للانتخابات، وهي جهة قضائية مشرفة على كل ما يتعلق بالأحزاب والانتخابات وباقي تفاصيل الحياة السياسية، بعد تلقّيها طلباً من دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تلقّت شكوى من جهاز الأمن الوطني العراقي، يرد فيها أن أحزاب "الحرّية والديموقراطية الإيزيدي" و"مجتمع كردستان" و"جبهة النضال الديموقراطي" هي تنظيمات تعمل واجهات سياسية وتنظيمية لنشاطات "حزب العمال الكردستاني" المحظور في العراق.
بيئة مؤيّدة
بحسب شكوك الأجهزة الأمنية العراقية، يملك "حزب العمال الكردستاني" مجموعة من الموالين الأكراد، وتحديداً من المقيمين خارج إقليم كردستان، يستخدمهم في إنشاء تنظيمات مدنية وسياسية في محافظات نينوى وكركوك وباقي مناطق العراق، لبناء بيئة مساندة ومؤيّدة له، سياسياً ومالياً وإعلامياً وتنظيمياً، تحت مسميات مختلفة.
يشرح الباحث القانوني أجدر قدوري لـ"النهار العربي" ما سمّاه التعقيد والتركيب بين السياسي والقانوني في هذه المسألة، فيقول: "من دون شك، ثمة قوى سياسية وتنظيمات مدنية مقرّبة من ’حزب العمال الكردستاني‘، أو حتى موالية له، في العراق. لكن، كيف يمكن إثبات ذلك قضائياً، بمعزل عن الضغوط السياسية؟".
يضيف: "مختلف القوى السياسية العراقية متأثرة بالتيارات السياسية الخارجية، بحكم أن العراق أصبح ملعباً سياسياً إقليمياً. فهل الحشد الشعبي مستقل سياسياً ورمزياً، وحتى تنظيمياً، عن النفوذ الإيراني في العراق؟ ومثله أحزاب الإسلام السياسي السُنّية والشيعية، وحتى الحزب الشيوعي العراقي. في الإطار نفسه، لا يمكن الدولة والقضاء في العراق ترك الأمر مفتوحاً لتنظيمات غير عراقية، من حيث المشروع والهوية والتطلع السياسي، كي تُنشئ تنظيمات موالية لها داخل العراق".
وبحسبه، جوهر الأمر متعلق بغياب النواة والمجال الوطني العراقي، "فمثلاً، يحظر القضاء العراقي هذه التنظيمات السياسية بدعوى قربها من ’حزب العمال الكردستاني‘، لكنه لا يستطيع، وغالباً لا يريد ولا يستطيع، إخراج التنظيمات الموالية للحزب نفسه من سنجار وغيرها من المناطق".
التنفيذ صعب
وفقاً للقرار القضائي، على الجهات الحكومية في العراق مصادرة أموال الأحزاب الثلاثة وإغلاق مقراتها. لكن، متوقع أن يواجه تنفيذ هذه التدابير صعوبات شديدة، لأن التنظيمات العسكرية المسيطرة نسبياً على المناطق التي تنشط فيها الأحزاب الثلاثة بقضاء سنجار، مثل "وحدات حماية سنجار"، مقرّبة من "حزب العمال الكردستاني"، وترفض القرار العراقي سياسياً وميدانياً.
وجاء قرار حلّ هذه الأحزاب بعد نحو 5 أعوام من توقيع "اتفاقية سنجار" بين الحكومة الاتحادية العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان، بغية تطبيع الأوضاع في القضاء. لكن الاتفاقية لم تُطبّق، ولم يتمّ إخراج التنظيمات العسكرية والسياسية والمدنية المقرّبة من "حزب العمال الكردستاني" من سنجار، وتحديداً من المناطق الجبلية العصية على القوى الأمنية، ما أثار سخط تركيا التي صارت تعتبر أن القضاء خاضع لسيطرة "حزب العمال الكردستاني"، فتشن عليه غارات جوية متتالية، كما تفعل في مناطق أخرى من إقليم كردستان والعراق، مثل مخيم مخمور للاجئين، والمناطق الجبلية بين تركيا والعراق.
لا دليل
يقول ناشطون في الأحزاب التي طالها قرار الحلّ، إن هذا القرار قابل للطعن والاستئناف أمام الهيئات القضائية العراقية الأعلى، لكنهم يقولون إن تحركاتهم القانونية لن تؤدي إلى أي نتيجة، وإن القرار صدر بحسب مقتضيات سياسية ناتجة من ضغط تركي على الحكومة والقوى السياسية في العراق.
ويضيف الناشطون أن قانون الأحزاب العراقية يمنع الارتباط التنظيمي والمالي لأي حزب مع أي جهة غير عراقية، أو تُخضع نشاطها الحزبي لتوجيهات دولة أو جهة خارجية، أو تتعامل مع الأحزاب السياسية التي تحظرها الدولة العراقية، وهذا ينطبق بحسبهم على كل الأحزاب السياسية العراقية التي لا تخفي ارتباطاتها وعلاقاتها، ولا حتى تبعيتها لدول وتنظيمات سياسية خارجية، ولبعضها هوية عالمية عابرة للحدود مثل "جماعة الإخوان المسلمين".
ويؤكّد هؤلاء الناشطون أن الأحزاب المذكورة في القرار القضائي غير مرتبطة تنظيمياً بـ"حزب العمال الكردستاني"، خلا بعض الروابط الرمزية والأيديولوجية، كما يصرّون على أن الأحزاب الثلاثة لم تخالف، لا في خطابها ولا في سلوكها السياسي، الدستور العراقي أو القوانين العراقية، كما لم ترتكب جرماً يمسّ بأمن الدولة العراقية، ولا تحوز سلاحاً، ولا ترتبط بجهات خارجية، والقضاء العراقي لم يقدّم أي دليل على أي تهمة من هذه التهم.
ميدانياً، تظاهر المئات من أبناء سنجار في مركز القضاء، معلنين رفضهم القرار العراقي، ويقولون إنه يصبّ في صالح الجهات التي تريد الاستمرار في هضم حقوق الإيزيديين في العراق. لكن مراقبين آخرين أشاروا إلى أن التنظيمات المسلحة في سنجار مسيطرة على الحياة العامة، وتالياً تدفع الجماهير إلى تأييدها. أما قيادات الأحزاب المذكورة في القرار العراقي فقد أكّدت حتمية اتخاذها خطوات قانونية وشعبية بغية رفض هذا القرار بكل شكل.