أعاد الجدال السياسي والقانوني بين الحكومة الاتحادية العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان، بشأن "تصفية مخيمات اللاجئين الإيزيديين"، النقاش الخاص بـ"مستقبل الإيزيديين في العراق"، بعد استعصاء عودتهم الآمنة إلى مناطقهم، وزيادة وتيرة الهجرة في أوساطهم.
النقاش العام ترافق مع مرور الذكرى العاشرة لـ"الإبادة الإيزيدية"، التي حدثت في صيف 2014، حينما هاجم تنظيم "داعش" الإرهابي المناطق ذات الأغلبية الإيزيدية المطلقة في سهل نينوى وقضاء سنجار، شمال محافظة نينوى (الموصل) العراقية وغربها. فمن قرابة 650 ألف إيزيدي كانوا يعيشون في العراق قبل ذلك التاريخ، هاجر أكثر من 200 ألف منهم، أغلبيتهم إلى الدول الأوروبية وكل من كندا وأستراليا، وما زال أكثر من 300 ألف إيزيدي يعيشون في مدن إقليم كردستان ومخيماته، فيما لم يرجع إلا قرابة 150 ألفاً منهم إلى مناطقهم الأصلية.
سعي الحكومة الاتحادية العراقية لتفكيك مخيمات اللاجئين لاقى رفضاً واسعاً من شاغليها، معترضين على عودتهم إلى مناطقهم في قضاء سنجار أو غيره من المناطق. مفضلين البقاء في إقليم كردستان، أو الهجرة إلى خارج العراق.
يوسف خضر دآناي ما زال مقيماً مع أفراد من عائلته في إقليم كردستان، يشرح في حديث إلى "النهار العربي" أسباب عدم عودته إلى قضاء سنجار، وما يخطط للقيام به مستقبلاً، يقول: "نزحت مع عائلتي من بلدة جوهيل شمال غربي الموصل منذ عشر سنوات، بعدما قُتل واحد من أبنائي أثناء المواجهات مع تنظيم داعش، فيما فُقدت واحدة من بناتي. أقمنا لأكثر من ست سنوات في مخيم للاجئين في محافظة دهوك، وبعدما هاجر اثنان من أبنائي إلى ألمانيا والدنمارك، فضلنا السكن في مدينة دهوك، حيث تعمل واحدة من بناتي في منظمة مدنية دولية، وتجهز أوراقنا للهجرة إلى كندا".
يتابع دآناي: "لا يُمكن لأي أحد يملك سبيلاً آخر للعيش أن يعود إلى سنجار وباقي المناطق الإيزيدية. فالمسألة بالنسبة إلينا ليست مجرد توفر بعض الظروف المعيشية الاعتيادية، بل تتجاوز ذلك تماماً. فأنا مثلاً، ومثلي آلاف الإيزيديين الآخرين، لا نعرف مصير أبنائنا الذين اختفوا في الأحداث، لا في المسار الجنائي ولا حتى في نظيره القضائي، فيما يتجهز البرلمان العراقي للعفو عن عشرات الآلاف من المرتكبين. يضاف ذلك إلى الهواجس الأمنية الشديدة التي ترتابنا، فسنجار مُسيطر عليها من لفيف من الميليشيات والفصائل، ما قد يهدد بإمكانية استعادة المأساة مرة أخرى، في وقت لا نعرف فيه مصير الصراع المحلي والإقليمي على المنطقة".
تقول الحكومة الاتحادية إنها فعلت كل شيء لخلق بيئة آمنة للإيزيديين في أماكن إقامتهم الأصلية، فالوضع الأمني مُستتب في كل مناطق محافظة نينوى، فيما تتابع الأجهزة الجنائية والقضائية أعمالها في تعقب الجناة وتقديمهم إلى المحاكمات بحسب قانون "4 إرهاب". الحكومة العراقية تقول إنها خصصت أموالاً كافية لتنمية المناطق الإيزيدية التي تعرضت للتدمير، واستقطعت رواتب شهرية للإيزيديات اللواتي تعرضن لإبادة (قرابة 500 دولار شهرياً)، وقبلت بعد سنوات بتملك الإيزيديين عقاراتهم السكنية والتجارية والزراعية.
لكن ينفي أعضاء النخبة الإيزيدية أن يكون ذلك كافياً لدفع الإيزيديين إلى العودة إلى مناطقهم، كما يشرح الناشط المدني حسام كيكي لـ"النهار العربي"، ويتابع: "جوهر القضية بالنسبة إلى الإيزيديين هو عدم ثقتهم بإمكانية ديمومة العيش المستقر والآمن في مناطقهم التاريخية. فهم لا يعتبرون الفضاء الاجتماعي والسياسي والأمني المحيط بهم آمناً تماماً. على سبيل المثال، قبل أسابيع، صرحت إحدى الشخصيات العامة الإيزيدية بأقوال أسيء فهمها، ففاضت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بكم هائل من الكتابات والتصريحات المناهضة للإيزيديين، أحصت جهة إعلامية معروفة أكثر من 4000 منشور خلال يوم واحد، تتراوح بين التكفير والتحريض والازدراء".
يضيف الناشط كيكي: "يرى الإيزيديون أن مختلف الأقليات القومية والدينية العراقية تتعرض لضغوط شديدة، مثل الصابئة والمسيحيين، ويعتبرون أن المشكلة هي في النواة الصلبة للسلطة الحاكمة، ومثلها الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية في البلاد، التي لا تملك أي استراتيجية عليا للحكم بحسب قوانين وأدوات مدنية تدافع عن المواطنين بغض النظر عن هوياتهم الدينية والقومية. فالعراق طوال العقدين الماضيين، كان يخرج من أزمة خانقة إلى أخرى، وكان أبناء الجماعات الأهلية الأصغر حجماً يدفعون أثمانها على الدوام، وهذا السبب الرئيسي لعدم الأمان الذي يصيب الإيزيديين".
يعدد الإيزيديون 74 حملة وهجوماً عسكرياً تعرضت لها مناطقهم خلال تاريخهم الحديث، على رغم استقرارهم في هضبة شبه صحراوية في جبال منطقة سنجار، ويرون أن مختلف الحكومات والدساتير والقوى السياسية العراقية لم تفكر بمنحهم منطقة ذات حُكم ذاتي، يحتفظون عبرها بنوع من السيادة والقدرة على الحماية الذاتية.