النهار

الاختراق التركي المستمر للأجواء العراقية يُعقّد المشهد ويكشف التباينات الكردية
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
قبل حادثة إسقاط الطائرة بأسبوع واحد استهدفت مُسيرة تركية سيارة مدينة بالقرب من بلدة "سيد صادق" شرق مدينة السليمانية، التي تبعد عن الحدود التركية أكثر من 300 كلم، وأدت إلى مقتل صحافيتين كرديتين وسائق السيارة.
الاختراق التركي المستمر للأجواء العراقية يُعقّد المشهد ويكشف التباينات الكردية
المسيرة التركية في كركوك
A+   A-

بإسقاط القوات الجوية العراقية طائرة مُسيرة تركية في مدينة كركوك، عاد النقاش في موضوع السماح للطائرات التركية باختراق الأجواء العراقية بهذا العمق في الفترة الأخيرة.

 

وبحسب قيادة العمليات المشتركة في محافظة كركوك، فإن الطائرة "المجهولة" وصلت إلى أجواء المدينة الكردية "من دون أن يكون لدى قيادة العمليات أي معلومات حولها"، سواء لجهة الإذن بالطيران أم الجهة التي تتقصدها أو حتى نوعيتها، فأمرت بإسقاطها، لأنها، وفق بيان رسمي من قيادة العمليات "وصلت إلى مركز مدينة كركوك الذي يحوي مقار حكومية، ومراكز اقتصادية مهمة، وأهدافاً حيوية، وتم الاستعلام من جميع الأجهزة الأمنية، وكذلك قوات التحالف الدولي عن عائدية هذه الطائرة، وتبين أنها مجهولة". وأدى الحادث إلى جرح أحد المواطنين العراقيين، من دون أن يتسبب بأضرار.

 

وزارة الخارجية التركية عقّبت على الأمر، معلنة أنها تُنسق مع الجانب العراقي لـ"توضيح الحادث... فأنقرة وبغداد لديهما إرادة مشتركة لمكافحة الإرهاب". وأضاف المتحدث باسم الوزارة أونجو كيتشيلي، في تعليق رسمي، أن "العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني تتم وفق مبدأ الدفاع عن النفس الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".

 

وقبل حادثة إسقاط الطائرة بأسبوع واحد، استهدفت مُسيرة تركية سيارة مدنية بالقرب من بلدة "سيد صادق" شرق مدينة السليمانية، التي تبعد عن الحدود التركية أكثر من 300 كلم، وأدت إلى مقتل صحافيتين كرديتين وسائق السيارة. وزعمت وزارة الدفاع التركية أنهما كانتا عضوين في حزب العمال الكردستاني. لكن مسؤولين عراقيين نفوا في أحاديث إلى وكالة الأنباء الفرنسية تلك الروابط التي تدعيها الجهات التركية. وندد نائب رئيس وزراء الإقليم قوباد طالباني بالقصف، في بيان رسمي، قال فيه إنّ "ضحايا القصف الجوي في قضاء سيد صادق صحافيتان اثنتان، وليستا عضوي قوة مسلحة لكي تشكلا تهديداً لأمن واستقرار أي بلد أو منطقة".

 

العمليات الجوية العسكرية تأتي بعد أيام من توقيع مذكرة تفاهم وتعاون أمني بين تركيا والعراق أُبرمت بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين لأنقرة. هذه المذكرة الأمنية هي الأولى من نوعها رسمياً. وأفادت المعلومات والتصريحات الرسمية بأنّها تتضمن تشكيل مركز للتنسيق الأمني بين الطرفين في "قاعدة بعشيقة" العسكرية بالقرب من مدينة الموصل، حيث يتمركز مئات الجنود الأتراك منذ عام 2015.

 

الكاتب والباحث شكري أخانجي شرح في حديث مع "النهار العربي" استحالة ضبط الأمر أمنياً وسياسياً لما يحيط بالملف من تعقيد، وقال: "في العمق، ترى تركيا في العراق نظاماً سياسياً غير قادر على ضبط حدوده وسيادته بوضوح، وتالياً ترى أنها تدافع عن نفسها ضد تهديد يمس أمنها القومي، وحتى سلامتها الكيانية. يحدث ذلك متواكباً مع الوجود الجيوسياسي المُعقد لمقاتلي حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان وباقي مناطق العراق، من القوس الجبلي الحدودي الوعر للغاية، وصولاً إلى مناطق في العمق العراقي، مثل قضاء سنجار ومخيم مخمور، في محافظتي أربيل ونينوى (الموصل)، وتفكيك ذلك يتطلب حرباً شاملة، لا تملك تركيا قدرة على شنها".

 

وتابع أخانجي: "كل ذلك مرتبط بتعقيدات المسألة الكردية نفسها في مختلف بلدان المنطقة، فمثلاً لا يُمكن للقوات والأسلحة الاستراتيجية العراقية أن تُنشر في مناطق إقليم كردستان بسبب الوضع الفدرالي والتعقيد الدستوري المُعترف بالبيشمركة الكردية. كذلك لا تمنح السلطات العراقية نظيرتها في إقليم كردستان الأسلحة الاستراتيجية، بالذات مضادات الطيران، كي تدافع عن منطقتها الجغرافية وتبسط سيادتها على مختلف المناطق، التي هي جزء من السيادة العراقية".

 

القوى السياسية العراقية غير متوافقة على رأي موحد بشأن هذه الهجمات التركية، حتى ضمن إقليم كردستان العراق نفسه.

القوى السُنية العراقية المقربة بأغلبيتها من النفوذ والدور التركيين في العراق، لم يسبق لها أن نددت واعترضت على الهجمات التركية، إلا عرضياً فحسب، فهي فعلياً تعتبر نفسها متفهمة لمخاوف تركيا بهذا الشأن، وترى أن المشكلة هي في السلطات العراقية التي لا تفرض سيادتها على مختلف المناطق العراقية. أما نظيرتها الشيعية، وإن كانت تُظهر بعض المعارضة لهذه الهجمات التركية، فإنها تفعل ذلك حينما تستهدف المناطق العميقة من العراق، غير الكردية، وتضبط نوعية خطابها ومعارضتها بحسب التوتر الثنائي بين إيران وتركيا. وحينما تستهدف بعض الفصائل المقربة من إيران القاعدة العسكرية التركية في منطقة بعشيقة، فإنها غالباً تتقصد أن تكون "هجمات مميتة".

 

وفي إقليم كردستان ثمة انقسام تقليدي، حيث الاتحاد الوطني الكردستاني أقرب إلى إيران واستراتيجيتها في العراق، وتالياً علاقته الأمنية متوترة على الدوام مع تركيا التي تتهمه بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني. فيما يقيم الحزب الديموقراطي الكردستاني علاقات حسنة مع أنقرة.

اقرأ في النهار Premium