انطلقت في اقليم كردستان العراق الحملات الدعائية للمرشحين لانتخابات برلمان الإقليم المُقرّر إجراؤها أواسط الشهر المقبل، مُحدثة استقطاباً سياسياً وشعبياً حاداً بين القوى الرئيسية المُتنافِسة في هذه الدورة السادسة.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وعبر المتحدثة باسمها جمانة غلاي، اشتكت من انخراط الأحزاب والمرشحين المستقلين في أنواع من الدعاية والترويج الانتخابي "غير الرسمي"، مذكرةً إياهم بالعقوبات القانونية على الجهات التي تتجاوز محددات هذه الدعاية، والتي قد تصل الى درجة استبعاد المرشح من السباق الانتخابي.
الحزبان الرئيسيان في الإقليم، الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يشغل قرابة نصف مقاعد التشكيلة الحالية للبرلمان، وينحدر منه رئيس الإقليم ورئيس مجلس الوزراء، والاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب المنافس والمُسيطر على قُرابة ثلث مقاعد البرلمان، بدآ دعاية انتخابية/سياسية حادة، أحدثت استقطاباً مثيراً بين الطرفين، ما دفع ناشطين الى التحذير من إمكان خروج الأمور عن السيطرة.
الاتحاد الوطني الكردستاني استخدم كل مؤسساته الإعلامية وأدواته الدعائية لاسترجاع أحداث الصراع العنيف مع الديموقراطي الكردستاني أثناء عقد التسعينات، متّهماً الأخير بالتسبب بحدوث صراع مسلح وشقاق جغرافي وشعبي داخل المجتمع الكردي، ما زال يدفع أثمانه السياسية حتى الراهن، متوعداً بإعادة السيطرة على برلمان الإقليم، وتشكيل السلطة الجديدة فيه.
وأقام الاتحاد الوطني نشاطات سياسية وشعبية مكثفة، بالذات في العاصمة أربيل، حيث يهيمن الديموقراطي الكردستاني سياسياً، سواء أكانت اجتماعات وتجمعات سياسية مع الزعماء الاجتماعيين في مدينة أربيل ومحيطها الريفي، أم وقفات استذكارية لـ"ضحايا الحرب الأهلية"، مطالباً بإعادة تشخيص ما جرى وتأريخه.
واعتبر الحزب، أن الخطوات والقرارات السياسية والاقتصادية الأخيرة التي اتخذها رئيس حكومة الإقليم مسرور برزاني، سواء التعاقد الحكومي مع عشرات الآلاف من المُعلمين، أم عرض استراتيجيات حكومية مستقبلية، أم إعفاء المواطنين من بعض الضرائب العامة، بمثابة دعاية انتخابية مبكرة.
الحزب الديموقراطي الكردستاني استنكر هذه الاتهامات و"الأفعال"، مصنّفاً إياها بمثابة "إفلاس سياسي"، لأن الحزب المنافس، بحسب الحزب، لا يملك قدرة على تقديم استراتيجيات تنموية وسياسية واعدة للناخبين الأكراد.
الآلة الدعائية والإعلامية للديموقراطي الكردستاني، بالذات منصاتها غير الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، استعادت مجموعة من الأحداث السياسية التاريخية، متهمة الاتحاد الوطني بالتسبب بها، مثل التوافق الذي أقرّه الاتحاد الوطني مع الحكومة الاتحادية وفصائل الحشد الشعبي لتسليمها محافظة كركوك عام 2017، التي كان يسيطر عليها بيشمركة الإقليم. كذلك نشرت الكثير من الأحداث التي تبين علاقة الاتحاد الوطني بإيران، أو ارتباطه الحالي بحزب العمال الكردستاني، إلى جانب الحدث الأخير المتمثل بسعي الاتحاد للحصول على منصب محافظ كركوك، مقابل التخلي عن الكثير المناصب والمكاسب الكردية ضمن المحافظة.
بسبب كل ذلك، ارتفعت وتيرة الاتهامات والتخوين بين مناصري الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي، وشهدت شوارع مدن أربيل والسليمانية بعض المسيرات الحاشدة لأنصارهما.
الباحثة والكاتبة الدكتورة مايا أحمد شرحت في حديث مع "النهار العربي" ما أسمته الخزانة التقليدية للحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، التي يعودان إليها في مراحل الأزمات والشعور بـ"التهديد" والضغوط السياسية. وقالت:"البنية الاقتصادية/الاجتماعية في كردستان، مثل باقي مناطق العراق، قائمة على نوع من الاقتصاد الريعي الذي يستتبع الكثير من الاقطاع السياسي، فالحزبان الرئيسيان، ومثلهما العديد من الأحزاب الأصغر حجماً ودوراً، تعرف أن قوتها كامنة في الأعداد الكبيرة التي تتبعها وتتجاوز مئات الآلاف من المنظمين الحزبيين، وهي حينما تدفع الدعاية الانتخابية إلى أعلى درجات الاستقطاب، فإنها تريد فقط استنفار تلك القواعد، ودفعها الى النشاط والالتصاق بمتطلبات العملية الانتخابية، بغية تحقيق نتائج انتخابية/سياسية لذلك".
الأحزاب السياسية الأخرى في الإقليم، مثل حركة التغيير الكردية "كوران" وتنظيم "الجيل الجديد" والحزبان الإسلاميان، اتهمت الحزبين الرئيسيين بتقصّد إثارة هذا النوع من المواجهة السياسية، بغية التغطية على المسائل الخدمية والاقتصادية والسياسية الرئيسية في الإقليم، وتالياً إغراق القواعد الاجتماعية بقضايا هامشية على حساب ما يجب أن "يُحاسبا" عليه، كحزبين يشكّلان السلطة الحاكمة منذ عقود.
وسيتألف برلمان الاقليم من 100 مقعد، منها 5 "مقاعد كوتا" مخصصة للأقليات القومية في الإقليم، التركمان والآشوريين والأرمن.
وبحسب المؤشرات وقياسات المراقبين بناءً على آخر انتخابات برلمانية اتحادية جرت في الإقليم أخيراً، فأن أياً من الأحزاب الرئيسية لن يحصل على أكثر من نصف مقاعد البرلمان، وتالياً ستكون الحكومة الإقليمية ائتلافية بين الحزبين الرئيسيين، كما كانت على الدوام. لكن السؤال الرئيسي يتعلق بمدى إمكان توافقهما لضخامة الملفات العالقة بينهما.