بدأ العدّ التنازلي لموعد الانتخابات البرلمانية الأردنية في 10 أيلول (سبتمبر) الجاري، فيما تمتلئ شوارع المملكة بصور المرشحين ولافتاتهم الانتخابية، سواء كانوا مرشّحين ضمن ما تُعرف بـ"القوائم المحلية" التي تقتصر على الدوائر الانتخابية المخصصة لكل محافظة، أو "القوائم العامة" التي تشكّلها الأحزاب على مستوى المملكة.
تحظى الانتخابات المقبلة بأهمية استثنائية، كونها أول انتخابات في ظل تحديث المنظومة السياسية التي شملت تعديلات دستورية وإقرار قانونين جديدين للأحزاب والانتخاب، تمّ بموجبهما تخصيص 30% من مقاعد المجلس النيابي المقبل للأحزاب، على أن تُرفع في المجلس الذي يليه إلى 50%، لتستقر النسبة بعد ذلك عند 65%، بهدف الوصول إلى انتخاب مجلس نواب قائم على كتل حزبية وبرامج، وتشكيل حكومات برلمانية.
ولا يمكن فصل ذلك الهدف عن مساعي الدفع باتجاه الوصول إلى مجلس نواب قادر بأدائه على استعادة ثقة المواطنين، والتي تدهورت على نحو كبير على مدى سنوات طويلة، ووصل الأمر إلى وصفه بأنه "مجلس الديكور" أو "نواب الخدمات" أو "نواب الألو"، في إشارة إلى أن العديد من النواب يبنون مواقفهم تجاه العديد من القضايا والملفات بناءً على اتصالات من جهات رسمية ضاغطة.
والأمل بالنسبة إلى الأردنيين أن يفرز التحول السياسي الذي تشهده البلاد مجلس نواب يمارس دوراً حقيقياً وفاعلاً ومؤثراً في أداء دوره الرقابي والتشريعي، المبني على أداء برامجي جماعي لا فردي، ويقدّم برامج وحلولاً قابلة للتطبيق بشأن مختلف الملفات والتحدّيات التي تواجهها المملكة ومعها المواطنون بالضرورة.
وجوه جديدة
بشأن ذلك، يقول المختص بالشأن البرلماني الكاتب سلطان الخلايلة لـ"النهار العربي"، إن استعادة الثقة الشعبية هي "محور أساسي لأي برنامج انتخابي ناجح، ويتطلّب ذلك تقديم وجوه جديدة ونخب سياسية ذات كفاءة عالية، سواء من حيث الخبرة المهنية أم من حيث الانتماء إلى البيئات الاجتماعية القريبة من نبض الشارع"، لافتاً إلى أن المرحلة المقبلة تتّسم بتعقيدات سياسية واقتصادية متداخلة، في ظل بيئة إقليمية متقلبة وضغوط اقتصادية متزايدة، "ما يفرض تشكيل مجلس نواب قوي، يكون ركيزة أساسية في دعم منظومة الدولة وسياساتها".
ويشير الخلايلة، إلى أن التحوّل من النمط الفردي إلى العمل البرلماني الجماعي "أمر حتمي لإعادة تفعيل دور المؤسسة التشريعية، ودخول الأحزاب الناشئة الساحة السياسية يمهّد الطريق لتطوير الأداء البرلماني نحو المزيد من التماسك والتنسيق الجماعي، مع التركيز على تفعيل الأدوات الرقابية الأساسية، مثل الاستجوابات النيابية واللجان البرلمانية المتخصصة، لضمان نزاهة الأداء التشريعي وشفافيته".
ويضيف الخلايلة: "إن الجهود التي تبذلها الهيئة المستقلة للانتخاب في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد الانتخابي تؤدي دوراً محورياً في إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته السياسية. نحن أمام لحظة تاريخية تتطلّب من الجميع، ناخبين ومرشّحين، إدراك حجم المسؤولية، والعمل بشكل جماعي لتعزيز الشرعية السياسية وبناء برلمان فاعل يُجسّد الإرادة الشعبية، ويكون شريكاً حقيقياً في صوغ مستقبل الأردن".
علاقة شائكة
لا تزال علاقة البرلمان بالشارع الأردني معقّدة وشائكة، كما يؤكّد الكاتب والمحلل السياسي منصور المعلا لـ"النهار العربي"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الثقة بالبرلمان لا تزال عالقة، "خصوصاً أن الشعارات والعناوين التي تهمّ الناس غابت في الحملات الانتخابية لصالح صور المرشّحين وحدهم، ما جعل المشهد أقرب إلى مجرد علاقات عامة".
ويضيف المعلا: "الطبقة الوسطى والأكاديميون الذين يمكن أن يُعوَّل عليهم في استعادة الثقة البرلمانية اعتزلوا المشهد السياسي، وما زالت الأخطاء تشوب التجربة الحزبية، إذ حوّل المرشّحون قوائمهم من برامجية وحزبية وائتلافات سياسية إلى شكل من الائتلافات يخدم الأقوى، ولم يقدّم أي من المترشحين رؤية أو مشروعاً، وهم بذلك لا يمثلون خياراً لنجاح التجربة برمتها، بل يمثلون مشروع نجاح فردي خاصاً بهم".
ويستشهد المعلا بقول جورج طرابيشي، إن "الديموقراطية ليست ثمرة يانعة بل بذرة تحتاج إلى عناية لتصبح شجرة باسقة ثم تثمر"، مضيفاً: "إلّا أن الأحزاب في الأردن تشبه أشجار الزينة البلاستيكية حيث لم تقدّم حتى الآن ما يلبّي تطلعات المواطنين".
ويستطرد قائلاً: "استعادة الثقة تعيش نزيفاً حاداً نتيجة استمرار الوضع لسنوات طويلة، ولا يمكن بناء الثقة بسرعة، لأن الهدم أسهل من البناء. فالبرلمان المقبل يبدو مجرد ائتلافات هلامية وخطابات سياسية لا ترتقي لحجم التحدّيات المقبلة، ورغم وجود وجوه جديدة بنسبة 95%، إلّا أن المشكلة تكمن في أنها لا تشكّل نخبة على مستوى المضمون، ويبقى الفارق ضعيفاً بين القديم والجديد".
مرحلة حاسمة
يرى عامر بني عامر، مؤسس ومدير عام مركز "الحياة – راصد" المتخصص في الشؤون الانتخابية، أن الأهمية الكبرى تتركز على معايير الكفاءة والمعرفة والخبرة في هذه المرحلة من التحديث السياسي، مشدّداً على أن المجلس المقبل "سيشهد مرحلة حاسمة، حيث يتعيّن على النواب التفاعل مع كتل حزبية ومواجهة الملفات الاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية".
ويشدّد بني عامر على ضرورة أن يكون النواب، خصوصاً الجدد منهم، "على دراية كافية بخطط الدولة والإجراءات المتبعة، وأن يتعرفوا على أدوات الرقابة البرلمانية وكيفية استخدامها بشكل فعّال، في متابعة مسارات التحديث السياسي والاقتصادي".