ينتظر إقليم كردستان وصول الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اليوم الأربعاء، ضمن زيارته إلى العراق، ليناقش الطرفان ملفات ثنائية، أولها أمني متعلق بوجود مخيمات ومعسكرات لمعارضين أكراد إيرانيين في الإقليم، ثم اقتصادية وسياسية، وإدارية متعلقة بتنقل الحجاج الإيرانيين إلى الأماكن المقدّسة في العراق عبر الإقليم.
كانت الزيارة الرئاسية الإيرانية للإقليم مقرّرة من قبل، لكن حادث الطائرة الذي أودى بحياة الرئيس الأسبق إبراهيم رئيسي أجّلها أشهراً. وكانت العلاقات بين الطرفين شهدت توتراً مقلقاً، بسبب دعوة قادة إيرانيين إلى قصف المقار الأميركية والإسرائيلية في إقليم كردستان، رداً على اغتيال رئيس حركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، ما أثار معارضة كردية شديدة.
تصريحات منفّرة
ردّ ناظم دباغ، ممثل حكومة إقليم كردستان في إيران، على الأنباء التي تحدثت عن إمكانية إلغاء الرئيس الإيراني زيارته لإقليم كردستان، والاكتفاء بزيارة العاصمة العراقية بغداد، قائلاً لوسائل إعلام محلية، إن "وزارة الخارجية الإيرانية أبلغتنا أن الرئيس مسعود بزشكيان سيزور أربيل أيضاً ضمن زيارته إلى العراق".
وعاد التوتر بين الطرفين قبل الزيارة بيومين فقط، بسبب تصريحات السفير الإيراني في العراق محمد آل صادق، الذي قال في مقابلة تلفزيونية إن "عمليات القصف الصاروخية التي نفّذتها إيران على أربيل في العامين الماضيين سببها وجود مقرّات للموساد الإسرائيلي تهدّد الأمن القومي الإيراني".
وانتقدت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان تصريحات آل صادق، قائلة إن "لا أساس لها من الصحة"، ومضيفة في بيان رسمي: "نرفض بشدّة كافة الاتهامات والأكاذيب والافتراءات التي لا أساس لها، والتي تمّ توجيهها ضدّ إقليم كردستان في الماضي. وزارت لجنة رفيعة المستوى من الحكومة الاتحادية المناطق التي تعرّضت للقصف، وتمّ نفي ما ورد في هذه المزاعم".
4 ملفات
يقول مصدر سياسي رفيع في إقليم كردستان لـ "النهار العربي"، إن مباحثات بزشكيان في إقليم كردستان العراق ستشمل 4 ملفات رئيسية، مبنية كلها على 3 زيارات متتالية قام بها رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني إلى إيران خلال الشهور الستة الماضية: واحدة عقب قصف الحرس الثوري الإيراني منزل رجل الأعمال الكردي بيشرو دويي في 16 كانون الثاني (يناير) 2024 لضبط العلاقة مع إيران، وثانية في أثناء مراسم دفن الرئيس الأسبق إبراهيم رئيسي، وثالثة في حفل تتويج الرئيس الجديد.
أضاف المصدر أن "إيران تصنف العراق، وتحديداً إقليم كردستان، فرصةً اقتصادية يمكن تطوير العلاقة معها من خلال رفع مستوى التبادل التجاري وإنشاء الأسواق والمدن الصناعية المشتركة"، فإيران تشعر أن كردستان العراق رافعة لتنمية المحافظات الشمالية والغربية، كما أن الموقف الكردي من اللعبة السياسية الداخلية في العراق يمثل أهمية بالغة بالنسبة إلى إيران، التي لا تريد أية حكومة أو تيار سياسي مناهض لها أن يصل إلى الحكم في العراق.
إلى ذلك، ترى إيران إقليم كردستان ممراً مثالياً لعبور مئات الآلاف من مواطنيها أو من العابرين فيها إلى المناطق المقدّسة في العراق، إذ يلقون هناك معاملة أفضل مما يلقونها في باقي المناطق. وقد وجّهت السلطات الإيرانية بطاقات شكر إلى حكومة إقليم كردستان لما تقدّمه من خدمات للزوار الإيرانيين.
وجدير بالذكر أن بزشكيان من مواليد مدينة مهاباد غرب إيران، ذات الأغلبية الكردية المطلقة، من والد أذري وأم كردية، ويتقن الكردية.
هواجس متبادلة
الأهم خلال الزيارة هو تطوير العلاقات السياسية - الأمنية بين الطرفين، بعد توقيع الاتفاقية الأمنية الإيرانية - العراقية، والتي كان إقليم كردستان جزءاً منها، لأنها كانت متعلقة في الأساس بالضغوط والتهديدات الإيرانية التي أعلنت رفضها وجود معسكرات ومخيمات لمعارضين أكراد إيرانيين قرب حدودها، واتهمت تنظيماتهم السياسية بالتدخّل في الشؤون السياسية الإيرانية، بالتحريض على التظاهر ومناهضة الحكم، وتحديداً في أثناء موجة الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت عقب مقتل المواطنة الكردية الإيرانية مهسا أميني. وكانت المناطق الكردية في شمال غربي إيران قد شهدت الاحتجاجات الأوسع.
يلفت الباحث والكاتب السياسي كاميران دارا حسن إلى ما سمّاها "مسافة أمان" يرغب الطرفان في ضبطها، ويبتغيان الوصول إلى توافقات تراعي الخطوط والأمن العام لكل منها، مُقدّمين المصالح المشتركة على أية صِدام لن يخدمهما. ويقول دارا حسن لـ"النهار العربي": "تدرك إيران أن إقليم كردستان يعتمد في وجوده الدستوري وأمانه السياسي على دعم أميركي واضح. لذا لا يُمكن لها فصل كردستان عن الدعم والنفوذ الأميركي. كذلك تدرك إيران صعوبة الطلب من كردستان تفكيك تطلعات المئات الآلاف من مواطنيها -الأكراد الإيرانيين- المقيمين في إقليم كردستان العراق منذ قرابة أربعة عقود، ومثلها أيضاً باقي الملفات الأمنية والسياسية الجوهرية في إقليم كردستان. لذلك، فإن إيران تسعى للضغط على الإقليم لأن يكون ملتزماً بحماية ورعاية الخطوط العريضة للأمن القومي الإيراني، مع احتفاظه بهذه العلاقات".
يضيف دارا حسن: "يبادل الإقليم إيران هواجس أمنية مشابهة. فالقادة السياسيون الأكراد يُدركون أن جزءاً واسعاً من القوى السياسية الكردية مقرّبة من إيران، وهي جهة كثيرة النفوذ ضمن العراق، واستخدمت نفوذها في مرّات كثيرة لصالح الإقليم، وإن كانت حليفة القوى الشيعية على الدوام".