يشهد الأردن، اليوم الثلاثاء، انتخابات برلمانية تتنافس فيها الأحزاب في ما يمكن وصفه بـ"معركة كسر عظم"، إذ يسعى بعضها إلى إظهار قوته في الشارع الأردني على حساب الإسلاميين، وتحديداً حزب "جبهة العمل الإسلامي" المعروف بأنه الأكثر انتشاراً في البلاد.
دخلت إلى المشهد أحزاب جديدة في أعقاب إقرار قانون الأحزاب الجديد قبل نحو عامين، كواحد من أبرز إفرازات منظومة التحديث السياسي التي تمضي بها البلاد، واستطاعت بعض تلك الأحزاب، لا سيما المحسوبة على السلطة، إيجاد قواعد جماهيرية لها، لتخلق واقعاً جديداً تطمح من خلاله إلى أهداف عدة، لعل من أبرزها إطاحة "سطوة الإسلاميين"، والحؤول دون سيطرتهم على معظم المقاعد المخصصة للأحزاب وعددها 41.
وبالنسبة إلى مراكز صنع القرار في الأردن، فإن هذه الانتخابات بمفهومها الجديد، توفر مؤشراً مهماً إلى إعادة قياس حجم المعارضة الإسلامية في البلاد، بوصفها صاحبة الثقل الأكبر، مقارنة بأحزاب المعارضة التقليدية الأخرى، فيما تتجه أنظار المراكز تلك إلى أحزاب جديدة يُراد لها أن تكون في صدارة المشهد.
"إعادة قياس حجم قوة الإسلاميين"
ومن وجهة نظر الصحافي المتخصص في الشأن الانتخابي والبرلماني جهاد المنسي، فإن هذه الانتخابات "مهمة لجهة إعادة قياس حجم قوة الإسلاميين، وتحديداً حزب جبهة العمل الإسلامي، في ظل تحديث سياسي تشهده البلاد أفرز العديد من الأحزاب الجديدة، ومنها ما ينظر إليه على أنه قريب من السلطة ومنافس قوي لسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين وسيطرتهم على المشهد الحزبي التقليدي".
ويقول المنسي، لـ"النهار العربي"، إن "الأردن يمضي في تمكين الأحزاب لتقود هي المشهد السياسي في البلاد، إذ خصص لها 41 مقعداً في المجلس النيابي المرتقب إعلان الفائزين بمقاعده على مستوى القائمة العامة (الحزبية)، على أن يزيد عدد المقاعد تباعاً في دورات مقبلة، وصولاً إلى أن تشكل الأحزاب حكومات برلمانية، وهذا يعني أن الإسلاميين يدفعون بكل ثقلهم ليكونوا في الصدارة، في مقابل أحزاب اقتحمت ساحة المنافسة بقوة لتكون نداً لهم".
ويلاحظ المنسي أن "الإسلاميين حرصوا في خوضهم المنافسة الانتخابية على اختيار أسماء وازنة من مجموع مرشحيهم البالغ عددهم 38، سواء في القائمة العامة أم في القوائم المحلية، وتلك الأسماء لها شعبيتها في الشارع الأردني، ويذكر بهذا الصدد أن أحد أبرز المرشحين وهو صالح العرموطي المعروف بأنه برلماني مخضرم، كان قد أعلن عدم نيته خوض السباق الانتخابي، إلا أن الحزب مارس ضغوطاً عليه باعتبار أن فوزه مضمون في حال ترشحه".
وفي ظل المنافسة الشديدة وسط تجربة جديدة، يشدد المنسي على أن "التنبؤ بنتائج الانتخابات يبدو صعباً"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "عدداً من المرشحين الإسلاميين ركّزوا على توظيف العدوان الإسرائيلي على غزة في حملاتهم الانتخابية، سعياً لكسب تعاطف الناخبين".
"لم يعد الإسلاميون خيار الأردنيين"
أما الناشط الشبابي عبد الرحمن العبادي فيرى أن "قوة الإسلاميين انحسرت إلى حد كبير منذ سنوات ليست بالقليلة، سواء عموماً في مختلف الدول العربية، أم في الأردن تحديداً، ويمكن ملاحظة ذلك على سبيل المثال في انتخابات النقابات المهنية أو الانتخابات الطلابية في الجامعات، حيث بدا أنهم لم يعودوا الخيار المقنع للأردنيين الباحثين عن خطابات واقعية وخط سياسي ينسجم مع المصالح الوطنية العليا".
وهذه الانتخابات النيابية تحديداً، يرى العبادي أنها "تشكل اختباراً حقيقياً لحجمهم وقوتهم في الشارع، مع وجود أحزاب جديدة أصبح لديها تأثير واسع في مختلف مدن المملكة ومحافظاتها"، مشدداً على أن "الأردنيين يريدون نهجاً حزبياً جديداً يخرج من دوامة الشعارات والخطابات إلى العمل والإنجاز الحقيقي، والأهم أنها تضع المصالح الأردنية العليا في مقدمة أولوياتها من دون الانصياع إلى أجندات خارجية".
ويضيف أن الأحزاب التقليدية، سواء الإسلامية أم القومية واليسارية، أثبتت فشلها في المشهد السياسي، ما يدفع الأردنيين إلى دعم أحزاب جديدة على أمل أن تخلق واقعاً جديداً.
أهمية المعارضة
فى اتجاه مقابل، يرى الناشط السياسي عبد الله نشوان أن "الإسلاميين، رغم كل محاولات إقصائهم والتحشيد ضدهم، هم الأكثر قدرة على نيل ثقة الأردنيين وتمثيلهم، لا سيما في البرلمان".
ويضيف نشوان لـ"النهار العربي" أن "وجود حزب جبهة العمل الإسلامي في البرلمان إلى جانب أحزاب وقوى معارضة أخرى، يعد أمراً مهماً حتى لا يكون مجلس النواب وجهاً آخر للحكومة والسلطات الرسمية، ذلك أن المعارضة هي من يتصدى لأي قرارات أو سياسات تثير استياءً أو غضباً شعبياً، خصوصاً ما يتعلق منها بقوت المواطن ووضعه المعيشي".
ويتنافس على مقاعد مجلس النواب 1640 مرشحاً بينهم 1258 من الرجال و382 من النساء، وكان رُفع عدد مقاعد المجلس من 130 إلى 138 مقعداً، فيما رُفع عدد مقاعد النساء من 15 إلى 18 مقعداً، وتم كذلك تخفيض الحد الأدنى لأعمار المرشحين من 30 إلى 25 عاماً.
وجرى تقسيم المملكة إلى 18 دائرة انتخابية محلية ودائرة انتخابية عامّة، وخصّص 41 مقعداً لقوائم الأحزاب و97 مقعداً للدوائر المحلية، ويخوض الانتخابات لمقاعد الأحزاب، 36 حزباً بتوجهات متعددة.
أما عدد الناخبين المسجلين، فتجاوز 5.1 ملايين ناخب، بينهم نحو 2.6 مليون من الإناث و2.4 مليون من الذكور.