اكتسبت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق أهمية كبيرة، كونها أوّل زيارة خارجية له عقب تنصيبه رئيساً خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي كان قد أعد ملف المباحثات بين الجانبين، قبل أن يلقى حتفه في حادث تحطم المروحية الرئاسية في 19 أيار (مايو) 2024، كما أنها تأتي في إطار محاولة ضبط العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية بين الجارين، وفي ظلّ الحديث عن خلافات بين الإطار التنسيقي ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني.
وذكر موقع الرئاسة الإيرانية الإلكتروني أن زيارة بزشكيان،ـ التي بدأت اليوم الأربعاء، ستستمر ثلاثة أيام، وتشمل جولة على عدد من المدن والمحافظات، ولقاءات سياسية واجتماعية رسمية وغير رسمية، في البصرة وكربلاء والنجف وأربيل والسليمانية.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن اختيار بزشكيان العراق لزيارته الأولى منذ توليه المنصب في تموز (يوليو) الماضي "يعكس عمق العلاقات الأخوية بيننا".
ورعى السوداني والرئيس الإيراني توقيع 14 اتفاقية تعاون بين بغداد وطهران، شملت قطاعات الأمن والاقتصاد والتجارة والاتصالات والسياحة والثقافة وغيرها.
وعقب اجتماعات موسعة للوفدين العراقي والإيراني في القصر الحكومي وسط بغداد، قال بزشكيان إنه تمت مناقشة الأوضاع الجيوسياسية للبلدين الذین يعتبران نقطة وصل بين أوروبا وآسيا، وتم تشكيل لجنة خبراء في هذا الصدد، فضلاً عن الخطط الاستراتيجية والطويلة الأمد لتعاون أكبر بين البلدين.
وأوضح بزشكيان أن البلدين بحاجة إلى تنفيذ اتفاقيات التعاون الأمني الثنائية "من أجل التصدي للإرهابيين والأعداء الذين استهدفوا استقرار المنطقة وأمنها في الماضي".
متابعة الاتفاقات السابقة
ووصف عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية في البرلمان العراقي محمد الزيادي زيارة الرئيس الإيراني بأنها "خطوة مهمة لتعزيز التعاون القضائي والأمني والاقتصادي بين البلدين". وقال لـ"النهار العربي" إن الزيارة شهدت "متابعة العمل بالاتفاقيات المبرمة سابقاً والتوقيع على العديد من مذكرات التفاهم وفي مجالات متعددة"، مشيراً إلى أن "الزيارة تناقش القضايا الثنائية والتعاون الإقليمي والدولي وأهمية الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن تعزيز العلاقات السیاسیة والثقافیة والاقتصادية والأمنية وتطويرها".
محاولة لتعزيز النفوذ في المنطقة
أما المحلل السياسي علاء الخطيب فرأى أن أولى الزيارات الخارجية للرئيس الإيراني لم تأت عفويةً، بل جاءت قبيل توجهه إلى نيويورك لحضور أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لتعكس أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي بمثابة رسالة إلى واشنطن، وفي الوقت نفسه قد تعكس التنسيق السياسي والاقتصادي بين طهران وبغداد، وتبين الاهتمام الإيراني بالقضايا الإقليمية والدولية التي قد تُناقش في الأمم المتحدة.
وقال الخطيب لـ"النهار العربي"، إن الزيارة تشير إلى "محاولة إيران تعزيز نفوذها في المنطقة، ودعم الحكومات الحليفة لها"، مضيفاً أن "الرئيس الإيراني يزور العراق في ظرف بالغ الحساسية بالنسبة إلى الوضع الداخلي، إذ تشير تسريبات إلى وجود خلاف يتعمق شيئاً فشيئاً بين قادة الإطار التنسيقي ورئيس الحكومة، وهو ما ينذر بتفكك الإطار، وهذا ما لا ترغب فيه طهران"، وهو ما يؤكده "شمول البرنامج لقاء قادة الكتل السياسية، وربما تأتي الزيارة لتدعم موقف الإطار القريب من إيران".
واعتبر الخطيب أن تركيز الرئيس الإيراني على الملف الاقتصادي "يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها إيران في هذا السياق".
أما في ما يتعلق بالملف السياسي وعلاقات إيران بالعالم، فيجد الخطيب أن "النهج الإصلاحي الذي يتبعه الرئيس يعكس الرغبة في تحسين صورة إيران على الساحة الدولية وبناء علاقات أكثر إيجابية مع الدول"، معتبراً أن "السير على نهج سلفيه روحاني وخاتمي يمكن أن يحمل آمالاً في تحقيق تقدم على هذه الصعد، لكن التحديات الداخلية والخارجية ستظل تشكل عقبة أمام تنفيذ هذه السياسات".
طاولة معدّة مسبقاً
الكاتب والصحافي سلام عادل رأى أن زيارة بزشكيان هي زيارة "سياسة ودين"، لافتاً إلى أن "طاولة المباحثات جرى إعداد محاورها منذ سنوات".
وأضاف عادل في حديث إلى "النهار العربي"، أن بزشكيان يتمتع بتأييد واسع، سياسي وشعبي، بسبب اعتداله، لكن "السياسة الإيرانية واضحة ولا تتغير بتغير الرئيس"، معتقداً أن العلاقات بين العراق وإيران "ستمهد لسوق ومنظومة شرقية مشتركة".
حاجة للسيطرة على باب الاستيراد
الباحث والأكاديمي مصطفى الفرج قال لـ"النهار العربي" إن طهران تحاول أن تصل بحجم التبادل التجاري مع بغداد إلى 20 مليار دولار سنوياً، وهو الآن يقترب من 10 مليارات تشمل الكهرباء والغاز والخضروات والألبان ومنتجات أخرى.
وأكد الفرج أن هناك حاجة لتنظيم السوق والسيطرة على الواردات، وحظر بعض المنتجات دعماً للمنتجات المحلية، مبيناً أنه منذ عامين يعيش العراق أزمة كبيرة مع الدولار في السوق الموازية، بسبب الحظر الكامل المفروض على تحويل العملات إلى إيران، سواء كانت بالدولار أم بالدينار. وهذه تحتاج إلى مناقشة وحلول من الجانب الأميركي، لتخفيف الضغط على العراق وإيران.
فرصة مهمة لإيران
وكان الدبلوماسي الإيراني السابق نصرالله تاجيك قد علّق على سبب اختيار الرئيس الإيراني بزشكيان العراق وجهة أولى خارجية لزيارتها، فقال خلال مقابلة صحافية إنّ "هذه الزيارة هي خيار اتخذه الرئيس شخصياً"، معرباً عن أمله في أن "يشكل بزشكيان فريقاً من الخبراء لإجراء تحليل شامل للعلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وأن يقوم خلال الزيارة بالتحقيق في المفاوضات التي ظلت معلقة".
وأضاف تاجيك أن "العراق يعتبر فرصة لنا، لكن التفاعلات التجارية والاقتصادية بين إيران والعراق تحتاج إلى عملية جراحية".
ورأى أنّ الزيارة باعتبارها أول زيارة خارجية لبزشكيان تُعَدّ ذات أهمية خاصة لكلا البلدين لجهة تعزيز العلاقات الاستراتيجية، وسيكون لها أيضاً تأثير مهم للغاية على المستقبل السياسي للعلاقات الإيرانية - العراقية، والسلام والاستقرار الإقليميين.