نفى نواب ومراقبون للشأن الأمني والسياسي في العراق، افتتاح مكاتب سياسية لجماعة الحوثيين وحركة "حماس" في بغداد، مؤكدين أن حكومة محمد شياع السوداني تسعى إلى البقاء في المنطقة الوسط وعدم الانجرار إلى سياسة المحاور، فيما ألمح قياديون في "فصائل المقاومة العراقية" إلى وجود "زيارات متبادلة" بينهم وبين قادة "محور المقاومة" في إيران واليمن ولبنان وسوريا، لكنهم أكدوا رفضهم توسيع دائرة الصراع في المنطقة.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز"، نشرت تقريرا الأحد (15 أيلول/سبتمبر 2024)، نقلت فيه عن مسؤولين حكوميين عراقيين أنباءً عن فتح مكاتب سياسية لحركة "حماس" والحوثيين في بغداد، مبدين تخوفهم من قيام إسرائيل بتوجيه ضربات في قلب العاصمة العراقية "بسبب وجود تلك الجماعات الموالية لإيران"، على حد قولهم.
وأكد تقرير الصحيفة الأميركية أن تلك المكاتب موجودة "بشكل سري" في منطقة العرصات، وتحيطها حراسة مشددة، من أحد "فصائل المقاومة العراقية".
وقبل أكثر من أسبوعين، أعلنت الفصائل ذاتها تمديد الهدنة مع القوات الأميركية، لكنها أكدت احتفاظها بحق الرد على أي اعتداء يستهدف قواعدها داخل العراق.
وظهر اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" للمرة الأولى عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، لكنّه كان عنواناً لفصائل مسلحة "سنية"، قبل أن تضمحل وتتحول "المقاومة" إلى الساحة الشيعية.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أعلنت "كتائب حزب الله" العراقي أسماء بعض الجماعات المنضوية معها تحت مسمى "المقاومة الإسلامية في العراق"، مشيرة إلى تنظيمي "كتائب سيد الشهداء" و"النجباء"، اللذين يشكلان جزءا من "محور المقاومة" الذي يضم فصائل إقليمية أخرى، مثل "حزب الله" في لبنان أو الحوثيين في اليمن، إضافة إلى "كتائب حزب الله" العراقي وجماعة "أنصار الله الأوفياء" المنشقة عن التيار الصدري.
وقُبيل تسلّمه وزارة الخارجية الإيرانية، أكد عباس عراقجي أن طهران ستستمر بـ"دبلوماسية المقاومة"، وأن دعم الفصائل في المنطقة أمر أساسي بالنسبة لها. إلا أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وفي أول خطاب له بعد تنصيبه، أكد أن أولويات حكومته الجديدة هي تحسين العلاقات الإقليمية والدولية ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.
ورأى حسين رويوران، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، أن "إيران دولة إيديولوجية، ولهذا السبب تظهر سياسة الحكومات المتعاقبة متشابهة".
نفي برلماني
وتعليقاً على تقرير "نيويورك تايمز"، أكد رئيس "حركة حقوق" النائب حسين مؤنس لـ"النهار العربي" أن معلومات التقرير الأميركي "مجرد تشويش إعلامي، ولم يثبت لدي وجود مكاتب كهذه حتى الآن في بغداد".
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية حسين العامري، إنه لا يملك أي معلومات عن هذه المكاتب، مشيراً إلى أن العراق "يحكمه القانون ولا يسمح بأي وجود ميليشيوي في بغداد". وأضاف العامري، في تصريح إلى "النهار العربي"، أن مكاتب كهذه تحتاج موافقات رسمية، والحكومة لن تسمح بذلك.
وتواصل "النهار العربي" مع أحد قادة "محور المقاومة" في العراق، لكنه رفض التعليق، مكتفيا بالقول: "هذه حرب. كلّ شيء وارد فيها"، مشيراً إلى "وجود زيارات متبادلة مع قادة محور المقاومة في اليمن ولبنان وسوريا، لكن الجميع متفق على عدم توسيع دائرة الصراع في المنطقة".
كفاح للبقاء في منطقة الاعتدال
ووفقاً للأكاديمي والصحافي الدكتور عباس عبود، فإنّ فضاء الحرية في العراق "يسمح بتناقض اهتمامات الشارع مع متبنيات الدولة"، معتبراً أن الموقف الرسمي "يختلف تماماً" عن الجانب السياسي لبعض القوى المتنفذة، رغم اتفاق الجميع على دعم القضية الفلسطينية من دون تدخل مباشر في المشهد الفلسطيني.
وقال عبود لـ"النهار العربي" إن السياسة الخارجية المعلنة للعراق تكافح للبقاء في منطقة الاعتدال، وهذا ما جعلها تنجح في الوساطة بين طهران والرياض في وقت سابق.
وتناقلت وسائل إعلام عربية، الأحد، أنباء عن قيام "المقاومة الإسلامية في العراق" بتنفيذ قصف بالطيران المسيّر على هدف في حيفا المحتلة.
وبحسب عبود، فإن محاولة استفزاز واشنطن بأي شكل من الأشكال من الجانب العراقي "تعقد ملف المفاوضات بخصوص إخراج قوات التحالف الدولي من العراق، خاصة أن المفاوضات قائمة على السعي لبناء شراكة جديدة وعلاقات على أسس ثابتة بين واشنطن وبغداد".
الاقتصاد تحت رحمة واشنطن
ونبّه عباس إلى أن الولايات المتحدة تهيمن على الاقتصاد العراقي من خلال الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يسيطر على الدولار المتدفق إلى العراق، وبالتالي يمكنها أن تجعل الاقتصاد ينهار في أي وقت.
وأشار عبود الى وجود "قوى برلمانية تتضامن مع الحوثيين وحماس وبقية مجموعات المقاومة في المنطقة، لكن لم يصل الأمر إلى فتح مكاتب رسمية لتلك الفصائل في بغداد، على أقل تقدير في الوقت الراهن، كون ذلك لا يدعم السياسة الخارجية للحكومة، ولا الاستقرار النسبي في الداخل العراقي".
محاولة لتبرير الوجود العسكري
واتساقاً مع ما ذهب إليه الأكاديمي عباس عبود، أكد رئيس مجموعة "المورد للدراسات الاستراتيجية" نجم القصاب، أن "تقرير الصحيفة الأميركية لا يتضمن معلومات دقيقة"، قائلا: "نعم، هناك زيارات للحوثيين ومن حماس لبغداد للقاء بعض زعماء الفصائل العراقية، لكن إلى هذه اللحظة لم يكن هناك إثبات لفتح مكاتب في العاصمة".
ورأى القصاب، في حديث إلى "النهار العربي"، أن "أميركا تحاول أن تجد تبريراً للبقاء في العراق، من بينها تمدد فصائل المقاومة، أو أن خلايا تنظيم داعش لا تزال موجودة في البلاد".