النهار

"مدافع البيشمركة" تعمّق انقسام المشهد السياسي العراقي
رستم محمود
المصدر: النهار العربي
المدافع الممنوحة لقوات البيشمركة كانت مخزونة في ميناء البصرة منذ أكثر من عشر سنوات، وطوال ثلاث حكومات عراقية متتالية، لم تحصل على موافقة رئيس الوزراء لتصل إلى البيشمركة الكردية.
"مدافع البيشمركة" تعمّق انقسام المشهد السياسي العراقي
مدفع اميركي للبيشمركة
A+   A-

أثار تسلّم قوات البيشمركة العسكرية في إقليم كردستان العراق 24 مدفعاً حديثاً مُقدّمة منحة من وزارة الدفاع الأميركية، لغطاً سياسياً حاداً، كشف وجود استقطابات وتحالفات سياسية حادة، وغير معلنة، تستهل الدخول إلى مرحلة الانتخابات العامة التي من المفترض أن تتمّ أواسط العام المقبل، ما لم تجرَ انتخابات مُبكرة، حسبما تطلب بعض القوى السياسية العراقية.

مشهد الانقسام ظهر عقب التغريدة المثيرة التي نشرها الرئيس المُقال للبرلمان العراقي وزعيم كتلة "تقدّم" محمد الحلبوسي، والتي أشار فيها إلى رفضه تسليم مثل تلك الأسلحة إلى قوات البيشمركة الكردية، وكتب: "نرفض رفضاً قاطعاً تسليح قوات محلية (البيشمركة) واجبها الدستوري يقتصر على حفظ أمن داخلي ضمن حدود مسؤوليتها. هذا الإجراء المرفوض قد يكون سبباً في ضرب الأمن المجتمعي الوطني بشكل عام، وفي محافظتي نينوى وكركوك على وجه الخصوص، إذا ما تمّت إساءة استخدام تلك الأسلحة في نزاعات عرقية أو حزبية مستقبلاً... هذا النوع من الأسلحة يجب أن يكون حكراً بيد الجيش العراقي الذي ندعو باستمرار إلى تعزيز قدراته وإمكاناته".

موقف الحلبوسي كان مثيراً للجدل بحسب رأي المتابعين، لأنه كان بمثابة إعلان بالتخلّي عن علاقته السياسية مع القوى الكردية، بالذات الحزب الديموقراطي الكردستاني، والاقتراب تماماً من القوى العراقية المحسوبة على إيران.

 

فوق ذلك، اعتبر مراقبون موقف الحلبوسي بمثابة تخلٍ تام عن "التحالف الثلاثي"، الذي جمعه إبان الانتخابات السابقة مع الحزب الديموقراطي والتيار الصدري، في مواجهة قوى وأحزاب "الإطار التنسيقي"، المقرّبة من إيران، فالكتلة النيابية "السُنّية" التي يتزعمها الحلبوسي، وبعد إقالة زعيمها من رئاسة البرلمان، تتخوف تماماً من وصول شخصية "سُنّية" مُقرّبة من منافسه زعيم "كتلة عزم" النيابية خميس الخنجر إلى رئاسة البرلمان، ما قد يؤثر على نتائج الانتخابات القادمة، خصوصاً لو تمّ تغيير القانون الانتخابي. لأجل ذلك، يعتقد المراقبون إنه يتقصّد التقرّب من "الإطار التنسيقي"، ذي الكتلة البرلمانية الأكبر، بغية قطع الطريق على مرشح "عزم" لرئاسة البرلمان سالم العيساوي، والانضواء ضمن "كتلة كبرى" تجمعه مع القوى المقرّبة من إيران في الانتخابات القادمة. 

شخصيات برلمانية وسياسية مقرّبة من الحلبوسي وافقته الموقف تجاه شحنة الأسلحة التي وصلت إلى قوات البيشمركة، فيما انتقده برلمانيون مقرّبون من خميس الخنجر. لكن أبرز الردود جاءت من وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، الذي قال في تغريدة موجّهة إلى الحلبوسي إنّ "موقف السيد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق والمحروم قضائياً من ولاية جديدة من تسلّم قوات بيشمركة الإقليم جزءاً بسيطاً من أسلحة دفاعية من التحالف الدولي، يعكس البهلوانية الشعبوية الرخيصة وعقلية مريضة لصعود سياسي الصدفة! وإلّا لماذا لا تُستخدم هذه الأسلحة ضدّ أعداء العراق فقط؟!". 

 

المحسوبون على قوى "الإطار التنسيقي"، بالذات من أعضاء كتلة "دولة القانون"، التابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لاقوا الحلبوسي في الموقف نفسه، وشنّوا هجوماً إعلامياً طوال أيام على رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، متهمين إياه بـ"التواطؤ مع الكتل الكردية، بغية الحصول على ولاية ثانية في رئاسة الوزراء"، فالمدافع الممنوحة لقوات البيشمركة كانت مخزونة في ميناء البصرة منذ أكثر من عشر سنوات، وطوال ثلاث حكومات عراقية متتالية، لم تحصل على موافقة رئيس الوزراء لتصل إلى البيشمركة الكردية. وترافق ذلك مع تصاعد خطابات مناهضة للسوداني في الأوساط ووسائل الإعلام المحسوبة على الإطار، مثل تسريب أوراق تفيد باعتماده على العشرات من أقاربه في المفاصل الأساسية من الدولة، أو الكشف عن شبكة تنصت ضمن الدوائر الحكومية العليا. 

زخم انتقادات قوى الإطار التنسيقي للسوداني، قطعه الأخير بزيارة استثنائية أجراها للمرجع والفقيه حسين السيد إسماعيل الصدر في بلدة الكاظمية شمال العاصمة بغداد. وهي بحسب المراقبين جزء من الخطوات التي يريد السوداني عبرها التقرب من التيار الصدري، الذي صار ينشط تحت لافتة "التيار الوطني الشيعي"، بغية تشكيل قائمة انتخابية واحدة، أو تأمين دعم التيار له في ولاية رئاسية ثانية. 

وتعليقاً على المشهد الانقسامي الحالي، وإمكانية وصوله إلى حالة استقطاب نهائية، كما حدث قبل أربع سنوات، يقول الكاتب الباحث في "مركز الفرات للدراسات" الدكتور وليد جليلي لـ "النهار": "إذا اعتبرنا أن مشهد الانقسام السياسي الأقرب للموضوعية هو وجود رئيس الوزراء الحالي مع التيار الصدري والحزب الديموقراطي الكردستاني في دفة، وقوى الإطار التنسيقي مع حزب "تقدم" بقيادة الحلبوسي والاتحاد الوطني الكردستاني في الدفة الأخرى، فإن ذلك يحتاج على الأقل إلى ثلاثة تأكيدات: هي أولاً قدرة الحزب الديموقراطي الكردستاني على العودة إلى التحالف الصدري، والثقة بعدم مغادرته العملية السياسية بمزاجية خاصة مثلما فعل في الدورة الانتخابية السابقة. الأمر الآخر يتعلق بتيار عزم السياسي بزعامة خميس الخنجر، الذي على العكس تماماً من الحلبوسي، يسعى على الدوام لأن تكون خياراته السياسية غير مستقطبة، ومثل هذا المشهد الانقسامي يدفعه لأن يكون خارج آليات عمله السياسية التقليدية. أخيراً، فإن المشهد يتوقف على إمكانية موافقة الصدر على منح منصب رئاسة الوزراء للسوداني، فهذا شرط مطلق للأخير للانخراط في هذا التحالف".

     

المدافع الأميركية المقدّمة هي من نوع "هاوتزر"، عيار 105 ملم، يصل مداها إلى قرابة 40 كيلومتراً. وهي من الأسلحة التقليدية التي لا تملك قيمة قد تمنح قوات البيشمركة تفوقاً أو قدرات عسكرية استثنائية، لكن إثارة القضية بهذه الطريقة تدل إلى مدى استخدامها مادة سياسية فحسب.

 

اقرأ في النهار Premium