أجرى رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أخيراً، عدداً من الزيارات لقادة الإطار التنسيقي، مؤكداً لهم استعداده لـ"تصفير الأزمات" التي بلغت ذروتها بعد كشف شبكة التنصت في مكتبه، والتي يقال إنها كانت تتجسس على هواتف قادة الإطار وعوائلهم.
وقبيل مغادرته بغداد إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها التاسعة والسبعين، لم يحصل السوداني على أي نتيجة من مبادرته لـ"ترطيب الأجواء" مع أركان الإطار والتي يقودها عمار الحكيم.
ولم يبق مع السوداني داخل الإطار التنسيقي سوى فالح الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، بينما دفعت شبكة التنصت و"سرقة القرن" زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي والأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي والأمين العام لـ"منظمة بدر" هادي العامري، إلى تبني خيار الانتخابات المبكرة، ومحاولة إبعاد السوداني عن الولاية الثانية. ويقف رئيس "ائتلاف النصر" حيدر العبادي وزعيم "تيار الحكمة الوطني" عمار الحكيم، موقف الحياد من الطرفين.
وطبقاً لبيان صحافي صدر عن مكتبه الإعلامي، الجمعة الماضي، أجرى السوداني زيارات التقى فيها العبادي والخزعلي ثم العامري، للتباحث في المشهد السياسي. وأعرب رئيس الحكومة لقادة الإطار عن "ثقته الكبيرة بدعم القوى السياسية الوطنية لخطوات الحكومة"، بحسب بيان مكتبه.
وتنصلت الحكومة في بيانها من قضية التنصت، محذرة من "الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات".
مبادرة تصفير الأزمات
وتقول مصادر سياسية مطلعة على كواليس لقاءات السوداني الثلاثة، إن رئيس الوزراء أكد التزامه المنهاج الوزاري للحكومة، واستعداده لـ"تصفير الأزمات" مع قادة الإطار، على خلفية توتر العلاقة بسبب "شبكة التنصت" التي كان يقودها أحد موظفي مكتب رئيس مجلس الوزراء.
وتضيف المصادر، في حديث إلى "النهار العربي"، إن تلك الشبكة متهمة أيضاً بالتورط باغتيال قادة بارزين ضمن منظومة الحشد الشعبي في بغداد.
ويذكر أنه في 19 آب (أغسطس) الماضي، اعتقل الأمن الوطني "شبكة تنصت وتزوير" يقودها الموظف في مكتب السوداني، محمد جوحي، وتضم موظفين وضباطاً، بحسب تصريح للنائب مصطفى سند.
وفي تصريحات أخيرة، أكد المالكي أن المتضررين من شبكة التنصت أوكلوا ملف التجسس إلى القضاء، والأخير مستمر في التحقيقات وإجراء الاستدعاءات وإلقاء القبض على المتورطين في هذا الفعل، الذين يعمل غالبيتهم في مكتب رئيس الوزراء. وتذكر المصادر أن قاضي جهاز المخابرات علي حسين جفات، يشرف على تلك التحقيقات.
وبحسب سند، كانت الشبكة "تمارس أعمالاً غير نظيفة، منها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين. كذلك تقوم بتوجيه جيوش إلكترونية وصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".
وتشير المصادر إلى أن اجتماع المحاسبة الذي عقده الإطار التنسيقي من دون حضور السوداني، وضع الأخير أمام خيار الاستقالة أو الالتزام بسياسة الإطار، مشيرة إلى أن السوداني إذا لم ينجح في ترطيب الأجواء مع الإطار، فإنه قد يفتح باباً مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قبيل انطلاق موسم الانتخابات البرلمانية في العام المقبل.
وحتى الآن لم يبد المالكي أي مرونة في التعاطي مع مبادرة السوداني. وهو كان قد تقدّم بشكوى ضد السوداني بوصفه رئيساً للوزراء، يطلب فيها الحق الشخصي وفق القانون العراقي، لأن شبكة التنصت كانت تعمل من داخل مكتب رئيس الحكومة، ووصلت إلى مراحل غير مقبولة اجتماعياً وعشائرياً.
ويدعو المالكي، بحسب المصادر، إلى إجراء انتخابات مبكرة في موعد أقصاه شهر أيار (مايو) من العام المقبل، لكنه يطالب بتعديل قانون الانتخابات واعتماد القائمة المفتوحة، بدلاً من الدوائر المتعددة، التي خدمت التيار الصدري في الانتخابات النيابية السابقة.
ويضع السوداني تحت عباءته الانتخابية حتى الآن عدداً من المحافظين الذي لديهم شعبية كبيرة في محافظاتهم، إلى جانب الفياض، والحكيم الذي لم يحدد موقفه بعد.
وكانت الخلافات الحادة التي أعلنت انتهاء شهر العسل بين السوداني والإطار التنسيقي، قد اضطرت قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني لزيارة بغداد لحلحلة الأزمة داخل الإطار، لكنه لم ينجح في ذلك، بحسب تأكيد المصادر.
تيار الفراتين ينأى بنفسه!
وينفي نائب الأمين العام لـ"تيار الفراتين"، بشار الساعدي، أن تكون هناك خلافات بين تياره و"ائتلاف دولة القانون": "أمورنا طيبة، ونجتمع أسبوعياً معهم".
ويقول الساعدي لـ"النهار العربي"، إن تياره الذي يتزعمه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لا يتدخل في أي صراعات بين رئيس الوزراء وقادة الإطار التنسيقي.
السوداني والولاية الثانية
ويرى الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي الدكتور خالد العرداوي أن زعماء الكتل السياسية الشيعية اعتادوا على الانقلاب ضد أي رئيس وزراء يشكل خطراً انتخابياً عليهم، مشيراً إلى أنّ "هذا ما حصل مع الكاظمي والعبادي وحتى مع المالكي وإياد علاوي".
ويقول العرداوي، لـ"النهار العربي"، إن "الصراع السياسي في العراق لا يقوم بالدرجة الأساس على الأخذ في الاعتبار مصلحة الوطن والمواطن، إنما يهتم لمصلحة الكتل والأحزاب والقادة السياسيين".
ويلاحظ أن الخلافات داخل الإطار "بدأت تتلاشى". لكنه يعتقد أنه مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، سيشتد الصراع السياسي، الأمر الذي ينعكس سلباً على الخدمات المقدمة للمواطنين.
ويشير إلى أن السوداني يفكر في خوض الانتخابات المقبلة على رأس تكتل سياسي جديد، لأنه يعتقد أن رصيده الشعبي يؤهله لقيادة كتلة سياسية جديدة تدفع به إلى القصر الحكومي مرة أخرى.