ضمن عمليّة "الفارس الشهم 3"، وتحديداً في الأسبوع التاسع عشر على انطلاقها، أعلنت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة استعدادها لإعادة تأهيل مجمّع ناصر الطبّيّ في غزّة لتخفيف المعاناة الإنسانيّة عن الفلسطينيّين. فبعد نداء استغاثة أطلقته إدارة المستشفى الواقع في مدينة خان يونس جنوب غزّة، قرّرت الإمارات إجراء دراسة لمتطلّبات إعادة تشغيله وتفعيل خطّة سريعة لتلبية احتياجاته، خصوصاً أنّ هذا المستشفى هو الوحيد الذي يقدّم الخدمات الصحّيّة لسكّان المدينة المنكوبة. جاء ذلك ضمن عمليّة إغاثة واسعة في خان يونس على ما نقلته وكالة أنباء الإمارات الرسميّة (وام) يوم الجمعة الماضي.
في مطلع كانون الأول (ديسمبر)، شنّ الجيش الإسرائيليّ غارات عنيفة على المدينة تمهيداً لاجتياحها. وفي 15 شباط (فبراير)، اقتحم الإسرائيليّون المستشفى واعتقلوا عشرات الأشخاص فيه بناء على مزاعم باحتجاز حركة "حماس" رهائن إسرائيليّين داخله. وفي 7 نيسان (أبريل)، أعلن الجيش الإسرائيليّ انسحابه من المدينة.
مثّل هذا الانسحاب فرصة لإعادة دعم المستشفى بالإمدادات اللازمة كي يعيد تقديم الخدمات التي تشتدّ الحاجة إليها. يأتي ذلك في وقت يجري الحديث عن إمكانيّة أن تكون خان يونس وجهة للنازحين من رفح في حال قرّرت إسرائيل تنفيذ تهديدها بشنّ توغّل برّيّ في المدينة. لهذا السبب، لم تألُ الإمارات جهداً لإعادة تجهيز المستشفى في أسرع وقت ممكن.
عن المساعدات الصحّيّة والطبّيّة
في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، أطلق رئيس دولة الإمارات الشّيخ محمّد بن زايد آل نهيان توجيهاته للعمليّات المشتركة في وزارة الدفاع من أجل البدء بعمليّة "الفارس الشّهم 3"، وهي عمليّة إنسانيّة لدعم الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة. واستقبلت المستشفيات الإماراتيّة عدداً كبيراً من الأطفال الفلسطينيّين الذين تمّ إجلاؤهم من القطاع. وصلت الدفعة الأولى منهم في أواسط تشرين الثاني (نوفمبر)، علماً أنّ الإمارات استقبلت في ذلك الشهر أيضاً نحو ألف طفل فلسطينيّ مصابين بالسرطان لتتكفّل بعلاجهم.
كذلك، أنشأت الإمارات مستشفيين ميدانيّين لمساعدة الفلسطينيّين. الأوّل داخل القطاع نفسه وهو الأكبر من نوعه بين المستشفيات الميدانيّة الأخرى إذ يشتمل على نحو 200 سرير لمعالجة المرضى والجرحى بحسب صحيفة "ذا ناشونال". ومن جملة الخدمات الصحّيّة المقدّمة أيضاً، طبّ الأسنان وطبّ العائلة وطبّ الأطفال وطبّ النساء والأشعّة المقطعيّة وغيرها. أمّا المستشفى الثاني فعبارة عن مستشفى عائم قبالة ساحل مدينة العريش ويضمّ 100 سرير. وقدّمت الإمارات العلاج لـ11920 شخصاً في المستشفى الميدانيّ وأجرت خلال الأسبوع الماضي وحده عمليّات جراحيّة لـ1099 مصاباً بحسب الموقع الإلكترونيّ لـ"الفارس الشّهم 3".
ومنذ أيّام قليلة، أعلنت الإمارات عن توفير جهاز متحرّك للأشعّة السينيّة لمساعدة الأطبّاء في عمليّاتهم الجراحيّة. هذا الجهاز، وهو الأوّل من نوعه الذي توفّره أيّ دولة على مستوى العالم للفلسطينيّين، قادرٌ على مساعدة الأطبّاء في مهامّهم وبالأخصّ في العمليّات الجراحيّة المرتبطة بالعظام.
آلاف الأطنان من المساعدات
انطلقت الشهر الماضي من الإمارات سفينة إغاثيّة ثالثة حاملة نحو 4630 طنّاً من المساعدات الإنسانيّة للفلسطينيّين، بين ما هو طبّيّ وإيوائيّ وغذائيّ ولوجستيّ. ووصلت إلى مدينة العريش في وقت سابق من الشهر الحاليّ. كما افتتحت الإمارات 6 محطّات تحلية للمياه في مدينة رفح المصرية تنتج نحو 1.2 مليون غالون من الماء يوميّاً لنقلها إلى القطاع حيث يستفيد منها 600 ألف نسمة. هذا وأرسلت الإمارات 5 مخابز أوتوماتيكيّة إلى مدينة العريش تمهيداً لنقلها إلى القطاع ومن المتوقّع أن تلبّي الاحتياجات اليوميّة لأكثر من 420 ألف شخص عند تشغيلها.
بحسب إحصاءات الموقع الإلكترونيّ لعمليّة "الفارس الشهم 3"، أرسلت الإمارات منذ بدء عمليّات الإغاثة 192 طائرة و624 شحنة محمّلة بـ16476 طنّاً من المساعدات للنازحين في قطاع غزّة، كما واصلت مبادرة "طيور الخير" إسقاط المساعدات الإنسانيّة لأهالي غزّة للمرّة الثالثة عشرة منذ إطلاقها. وتعدّ هذه المبادرة جهداً تعاونيّاً بين كلّ من الإمارات ومصر وهي تعتمد على "نظام التموضع العالميّ" (GPS) لإلقاء المساعدات بشكل أدقّ من الجوّ. وشاركت الإمارات في عمليّات إنزال أخرى منها مع الأردن الذي نفّذ بدوره أكبر عمليّة من هذا النوع في يوم واحد بحلول عيد الفطر.
Under the directives of the President of the State, The Gallant Knight 3 continues to provide humanitarian aid to the residents of Gaza. The ongoing efforts reflect the UAE’s commitment to providing support to those in need and providing assistance under difficult circumstances. pic.twitter.com/6PuXD5jDvv
— Razan Al karam (@razzanziyaDD) February 28, 2024
وتساهم العديد من الجهات الإماراتيّة الفاعلة في إنجاح "الفارس الشهم 3" من بينها الهلال الأحمر الإماراتيّ و"مؤسّسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانيّة" و"مؤسّسة زايد بن سلطان للأعمال الخيريّة والإنسانيّة". وبالكاد مرّ أسبوع على هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، حتى أطلقت الإمارات حملة لدعم أهالي القطاع تحت شعار "تراحم من أجل غزة" شارك فيها المواطنون الإماراتيّون من مختلف القطاعات. يعكسُ ذلك واقعَ أنّ الدعم الإماراتيّ للفلسطينيّين هو رسميّ وشعبيّ في آن.
أهداف
تُبيّن عمليّة "الفارس الشهم 3" أنّ الإمارات تقدّم التزاماً لا هوادة فيه بدعم الفلسطينيّين في غزّة. تريد الإمارات تأكيد عدم وجود حدّ للتعاطف البشريّ مع الفلسطينيّين وتأمل أن تحثّ أفعالها الدول المقتدرة الأخرى على مدّ يد العون إلى المنكوبين في القطاع. لا تهدف الإمارات إلى مساعدة الفلسطينيّين على النجاة وحسب، لكن أيضاً وبما لا يقلّ أهمّيّة، إلى منحهم المرونة والأمل.
تدرك الإمارات حجم الصدمات النفسيّة التي يتعرّض لها سكّان غزّة من جرّاء القصف الإسرائيليّ العنيف وبالأخصّ تأثيراتها السلبيّة الطويلة المدى على الأطفال. لهذا السبب، خصّصت أيضاً قسماً خاصّاً للطبّ النفسيّ ضمن جهودها الإغاثيّة. إلى جانب ذلك، هي تنفّذ برنامجاً لـ"التفريغ النفسيّ" بهدف تخفيف الضغوط عن الأُسَر الفلسطينيّة.
الأولى عالميّاً
هذه الجهود وغيرها مكّنت الإمارات من احتلال المركز الأوّل عالميّاً في حجم المساعدات المقدّمة إلى غزّة عبر مختلف القنوات المتاحة. فبحسب أرقام خدمة "مصدر" الإخباريّة أواخر الشهر الماضي، ساهمت الإمارات العربيّة المتّحدة في أكثر من ربع (27 في المئة) المساعدات الدوليّة المقدّمة إلى الفلسطينيّين في غزة.
وحلّت تركيا في المركز الثاني مع 19 في المئة، تلتها مباشرة المملكة العربيّة السّعوديّة مع 18 في المئة. هذا وحلّت قطر في المرتبة الخامسة مع مساهمة بمقدار 8 في المئة من إجمالي المساعدات الدوليّة، ثمّ الكويت في المرتبة السادسة (6 في المئة) فليبيا (3 في المئة) والأردن (2 في المئة).