حذّرت السعودية اليوم الأحد من تداعيات الحرب في غزة على الاقتصاد العالمي، داعيةً إلى عدم التصعيد في النزاع الدامي المستمر منذ قرابة سبعة أشهر، خلال اجتماع خاص للمنتدى الاقتصادي العالمي يحضره عدد من الوسطاء الدوليين.
وسيحاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وقادة فلسطينيون ومسؤولون رفيعو المستوى من دول أخرى التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" خلال القمة المنعقدة في الرياض، عاصمة أكبر بلد مصدّر للنفط الخام في العالم.
وتلقي الحرب المستمرة منذ قرابة 7 أشهر بظلالها على الشرق الأوسط مع تواصل المخاوف من اندلاع مواجهة إقليمية أوسع.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان في كلمته أمام المنتدى: "حين يكون هناك نزاعات في منطقتك فإنها تضع الكثير من الضغوط على المشاعر والمزاج وليس سراً أنّ الاقتصاد يتأثر بالمزاج" العام.
وأضاف: "في المملكة العربية السعودية وخلال السنوات القليلة الماضية وضعنا هدفاً استراتيجياً واضحاً وهو خفض التصعيد في المنطقة". وتابع أنّ "المنطقة تحتاج إلى الاستقرار. المنطقة تحتاج حقيقةً للتركيز على شعوبها ونموها واقتصادها عوضا عن السياسة والنزاعات".
وكان وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم قال في مؤتمر صحافي السبت عشية المنتدى إنَّ "العالم يسير اليوم على حبل مشدود، ويحاول تحقيق التوازن بين الأمن والازدهار".
اندلعت الحرب في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) بعد هجوم غير مسبوق لـ"حماس" ضدّ إسرائيل أدّى إلى مقتل 1170 شخصاً، معظمهم مدنيّون، حسب تعداد لوكالة "فرانس برس" يستند إلى بيانات رسميّة إسرائيليّة.
وخلال هجوم "حماس"، خُطف أكثر من 250 شخصاً ما زال 129 منهم محتجزين في قطاع غزّة، بينهم 34 توفّوا على الأرجح، وفق مسؤولين إسرائيليّين.
ردّاً على ذلك، تعهّدت إسرائيل تدمير "حماس" التي تتولّى السلطة في غزّة منذ 2007 وتُصنّفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي "منظّمة إرهابيّة".
وأسفرت الحرب المدمرة في قطاع غزّة عن مقتل 34454 شخصاً، معظمهم مدنيّون من النساء والأطفال، حسب حصيلة وزارة الصحّة التابعة لـ"حماس".
وفي ما يترقب الفلسطينيون اجتياحاً إسرائيلياً لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة، اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته أمام المنتدى أنّ الولايات المتحدة هي "البلد الوحيد" القادر على إيقاف هذا الهجوم الإسرائيلي المحتمل.
وقال: "نناشد الولايات المتحدة الأميركية بالطلب من إسرائيل أنّ تتوقف عن عملية رفح"، معتبراً أنها ستكون "أكبر كارثة في تاريخ الشعب الفلسطيني" في حال حدوثها.
"زخم جديد" في محادثات الرهائن
وقال رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغ بريندي في مؤتمر صحافي السبت: "هناك زخم جديد الآن في المحادثات بشأن الرهائن وأيضاً من أجل مخرج محتمل من المأزق الذي نواجهه في غزة"، من دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.
ومع ذلك، لن تكون هناك مشاركة إسرائيلية في القمة، وأشار بريندي إلى أن الوساطة الرسمية التي تشمل قطر ومصر تتكشف في أماكن أخرى.
وأضاف "ستكون هناك مناقشات بالطبع حول الوضع الإنساني الحالي في غزة" و"ستتم مناقشة الجوانب الإقليمية أيضا مع إيران" التي تدعم حركة "حماس" و"حزب الله"، خلال ما "يمكن أن يصبح اجتماعاً بالغ الأهمية".
ومطلع الشهر الماضي، تبدّدت الآمال في أن يتمكن الوسطاء من التوصل إلى هدنة جديدة في غزة قبل شهر رمضان أو خلاله.
والسبت، أعلنت حركة "حماس" أنّها "تدرس" ردّ إسرائيل على اقتراح بشأن هدنة محتملة في غزّة مرتبطة بإطلاق سراح رهائن محتجزين بالقطاع، غداة وصول وفد مصري إلى إسرائيل في محاولة لاستئناف المفاوضات المتعثرة.
ومنذ نشوب الحرب، عملت السعودية مع القوى الإقليمية والعالمية الأخرى لمحاولة احتواء الحرب في غزة وتجنب أن تؤدي، مع التداعيات الإقليمية المحتملة لها، إلى عرقلة أجندة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الطموحة التي تتبناها المملكة والمعروفة باسم "رؤية 2030".
أضواء على السعودية
لم تعترف السعودية مطلقاً بإسرائيل، لكنها كانت في طريقها إلى ذلك قبل هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، في ما تستمر المحادثات حول صفقة من شأنها أن تؤدي لاعتراف المملكة بالدولة العبرية، وتتضمن أيضاً تعزيز الرياض وواشنطن شراكتهما الأمنية.
وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، تحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بتفاؤل عن الصفقة، في مقابلة مع محطة "فوكس نيوز"، لكن محللين يقولون إنَّ الحرب جعلت الأمر راهناً أكثر صعوبة.
في الوقت نفسه، تحاول المملكة الخليجية المحافظة الانفتاح على العالم، وجذب كبار رجال الأعمال والسياح بمعزل عن السياحة الدينية.
تُعدّ استضافة الأحداث الدولية، مثل اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستمر يومين، فرصة لعرض التغييرات الاجتماعية بما في ذلك إعادة فتح دور السينما ورفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات وارتداء العباءة السوداء وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
وقال الوزير الإبراهيم السبت: "بعد مرور ثماني سنوات على رؤية 2030، أظهرنا استعدادنا لقيادة الطريق نحو نموذج للنمو التحوّلي يكون مبتكراً وشاملاً ومستداماً. وقد شهدنا بعض النتائج".
وتتوقع السعودية تحقيق عجز في موازنتها حتى 2026 في ما حققت نمواً طفيفاً جداً في الناتج المحلي الإجمالي على وقع خفض إنتاج النفط.
وأكّد وزير المالية السعودي الأحد أنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي "صحي للغاية" مع 4,4 في المئة، مشيراً إلى أنّ "رؤية 2030 تتمحور أساسا على الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة غير النفطية".