النهار

السعودية وإسرائيل... تبادل أدوار
المصدر: النهار العربي
تُعدّ المملكة العربية السعودية وإسرائيل الحليفين الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي الوقت الحالي، تنخرط إدارة الرئيس جو بايدن إلى حد كبير مع كليهما في محاولة لإتمام اتفاق دفاعي مع السعودية ومساعدة إسرائيل في نزاعاتها مع "حماس" وإيران، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
السعودية وإسرائيل... تبادل أدوار
بن سلمان ونتنياهو
A+   A-
تُعدّ المملكة العربية السعودية وإسرائيل من أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإدارة الرئيس جو بايدن منخرطة إلى حد كبير مع كلتيهما اليوم، حيث تحاول إبرام اتفاق دفاعي مع السعودية ومساعدة إسرائيل في نزاعاتها مع "حماس" وإيران، إلا أنّ فريق الرئيس الأميركي جو بايدن واجه وضعاً غير مسبوق مع هذين الشريكين، قد يشكّل فرصة وخطراً في آن على بلاده، وهو مرتبط بالتناقضات في سياساتهما الداخليّة.
 
هذا ما جاء في مقدّمة مقال رأي للكاتب الأميركي توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، الذي رأى أنّ التناقض يكمن في زج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأسوأ المتطرفين دينياً في بلده بالسجن، بينما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضعهم في مجلس الوزراء. 
 
وهنا تكمن القصة. 
 
أطلق بن سلمان أهم ثورة اجتماعية في المملكة، ثورة أذهلت العالم العربي. ووصلت إلى مرحلة تضع فيها الولايات المتحدة والسعودية اللمسات الأخيرة على تحالف رسمي من شأنه أن يعزل إيران ويقوض النفوذ الصيني في الشرق الأوسط ويُلهم بشكل إيجابي التغيير في المنطقة أكثر بكثير مما فعل الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان.
 
وانعكس هذا التحوّل على النساء والشابات السعوديات لتقفز نسبة مشاركتهن في سوق العمل إلى 35 في المئة من 20 في المئة بين 2018 و 2022، وفقاً لتقرير من إعداد "المجلس الأطلسي". وللعلم، فإن هذه النسبة قد أصبحت أعلى اليوم. 
 
يُعد هذا التحوّل واحداً من أسرع التغيرات الاجتماعية في العالم. وبوسعك أن تلمس تأثيره في الرياض في الشوارع والمقاهي والحكومة والمؤسسات. الآن، لا تقود المرأة السعودية السيارة فحسب بل تقود التغيير في الجسم الديبلوماسي وفي أكبر المصارف ومؤخراً في الدوري السعودي الممتاز للسيدات. 
 
 
وتتجلى الرؤية الجديدة لولي العهد السعودي في إعلانه عن عزمه تطبيع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع الدولة العبرية كجزء من اتفاق دفاعي جديد مع الولايات المتحدة.
 
يريد بن سلمان أن تنعم المنطقة بالسلام قدر الإمكان وأن تأمن السعودية من إيران قدر المستطاع كي يتمكن من صب اهتمامه على جعل المملكة مركز نفوذ ذات اقتصاد متنوع. 
 
في السابق، كان هذا حال إسرائيل أيضاً. إلا أنّ استماتة نتنياهو للبقاء في السلطة لتجنب سجنه على خلفية تهم الفساد الموجهة ضده دفعته لتشكيل تحالف حاكم منح سلطة غير مسبوقة لاثنين من اليهود اليمينيين المتطرفين في ثلاث وزارات - الدفاع والمالية والأمن القومي - وأعطى الأولوية لانقلاب قضائي قبل أن يفعل أي شيء آخر.
 
وقدم نتنياهو تنازلات لا مثيل لها للحاخامين الأرثوذكس المتطرفين، حيث قام بتحويل مبالغ طائلة إلى مدارسهم التي لا تدرّس في الغالب الرياضيات أو اللغة الإنكليزية أو التربية الوطنية، والتي يرفض معظم رجالها الذين هم في سن التجنيد الخدمة في الجيش على الإطلاق، ناهيك عن الخدمة إلى جانب النساء.
 
 
بدون شك، بوسع بن سلمان أن يصدر أوامر بالتغيير يعجز عنها أي رئيس وزراء إسرائيلي. مع ذلك، يتعين على الزعيمين تقدير ما الذي من شأنه أن يبقيهما في السلطة، وهذه الغرائز تدفع نتنياهو لجعل إسرائيل أسوأ نسخة عن السعودية القديمة بينما بن سلمان يجعل المملكة أفضل نسخة عن إسرائيل السابقة. 
 
نتيجة تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف هي أنه لا يسع إسرائيل الاستفادة من التحول التكتوني في السعودية لأن هذا سيتطلب من إسرائيل أن تمضي في مسار حل الدولتين. 
 
علاوة على ذلك، من دون طرح أفق ما لحل الدولتين مع الفلسطينيين من غير حركة "حماس"، لا يمكن لإسرائيل أن تقيم تحالفاً أمنياً دائماً مع تحالف الدول العربية المعتدلة التي ساعدت في إحباط أكثر من 300 مسيرة وصاروخ أطلقتها إيران على إسرائيل في 13 نيسان (أبريل) رداً على اغتيال إسرائيل قائداً كبيراً في الحرس الثوري وبعض مرؤوسيه (في القنصلية الإيرانية) في سوريا. 
 
بعبارة أخرى، لا يمكن لإسرائيل اليوم أن تستدعي التحالفات التي تحتاجها لتزدهر كدولة، لأن ذلك سيؤدي إلى تفكك الائتلاف الحاكم الذي يحتاجه نتنياهو للبقاء كسياسي.
 
يُسبب كل هذا صداعا كبيرا للرئيس الأميركي الحالي الذي فعل الكثير لإنقاذ الشعب الإسرائيلي من "حماس" وإيران أكثر من أي رئيس أميركي آخر، لكنه أُحبط من قبل رئيس وزراء إسرائيلي مهتم أكثر بإنقاذ نفسه. إنّ دعم بايدن لنتنياهو يكلّفه الآن على الصعيد السياسي ويحدّ من قدرته على الاستفادة الكاملة من التغييرات في شبه الجزيرة العربية. وقد يكلّفه ذلك أيضاً فقدان الفرصة بإعادة انتخابه.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium