النهار

السعودية بين "نعومة" الصين و"خشونة" أميركا... بكين تسعى إلى إدخال طائراتها إلى أساطيل الخليج
باسل العريضي
المصدر: النهار العربي
جاء في مقدمة التقرير السنوي للعام الجاري لما يعرف بـ"المجتمع الاستخباري الأميركي" والذي يضم كل المؤسسات الاستخبارية، أن "الصين تتمتع بالقدرة على التنافس المباشر مع الولايات المتحدة وحلفاء الولايات المتحدة وإمكان تغيير النظام العالمي القائم على القواعد بطرق تدعم قوة بكين وشكل حكمها في مواجهة الولايات المتحدة".
السعودية بين "نعومة" الصين و"خشونة" أميركا... بكين تسعى إلى إدخال طائراتها إلى أساطيل الخليج
طائرة كوماك الصينية
A+   A-
 

تعود العلاقات الصينية - السعودية إلى ما يقارب من ثمانية عقود، لكنها في العقد الأخير بدأت تأخذ زخماً لافتاً، وتحديداً مع انطلاق المبادرة الصينية المعروفة بـ"الحزام والطريق" لإحياء طريق الحرير التاريخي. وما زاد من وتيرة تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين أن المبادرة الصينية تزامنت مع "رؤية المملكة 2030".

وفي ترجمة لهذا الواقع، بيّنت أرقام التبادل التجاري أن الصين باتت أكبر شريك تجاري للسعودية، وفق ما أعلنه السفير الصيني لدى السعودية تشانغ هوا، في مؤتمر صحافي قبل أسبوع، عندما أشار إلى أن حجم التجارة بين البلدين تخطى 100 مليار دولار لعامين متتاليين، "أي يتجاوز 35 في المئة من إجمالي التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة نفسها".

ومن أهداف "رؤية 2030" السعوديّة تنويع الاقتصاد والخروج من الاعتماد الكليّ على النفط مصدراً للموارد. وهذه السياسة الاقتصادية وجدت فيها بكين فرصة "تاريخية" لتعزيز التبادل التجاري ودخول سوق الاستثمارات السعودية.

طموحات "كوماك" للتوسع من السعودية

وضمن فعاليات "مؤتمر مستقبل الطيران 2024" الذي أقيم في الريّاض بين 20 أيار (مايو) الجاري و22 منه، سعت شركة الطائرات التجارية الصينية "كوماك"، المملوكة للدولة، لتكون السعودية نقطة انطلاق لطموحها للتوسع دولياً في مسعى لبيع طائراتها خارج الصين، ودخول سوق الطائرات المدنية التي تهيمن عليها شركتا "إيرباص" الأوروبية و"بوينغ" الأميركية.

وقال رئيس "كوماك" إن لدى الشركة الصينية "رؤية لتحسين التواصل العالمي والتنوع من خلال المساهمة في تطوير النقل الجوي في السعودية"، عارضاً الطائرتين العاملتين من شركته على أنهما يمكن أن تساهما في سوق الطيران في شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط وتركيا وشمال أفريقيا، انطلاقاً من السعوديّة.

أبعد من ذلك، كشفت وكالة "رويترز" أنه خلال زيارة رئيس الشركة للريّاض، قالت المجموعة السعودية المالكة لشركة "فلاي أديل" للطيران المنخفض التكلفة، إنها دعت "كوماك" الى إنشاء خط تجميع في جدة، وأن المجموعة السعودية، المالكة للخطوط الجوية السعودية، تتواصل أيضاً مع "كوماك" للوصول إلى فهم أفضل لطائرتها "سي-919" من دون اتخاذ قرارات في هذا الصدد بعد.

ولعلّ التأني في اتخاذ مثل هذا القرار، يعود الى تحذيرات في قطاع الطيران من أن "كوماك" لا تزال بعيدة عن التوسع دولياً، خصوصاً قبل الحصول على شهادات أساسية للجودة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، أعلنت مجموعة الخطوط الجوية السعودية شراء 105 طائرات من شركة "إيرباص"، وصفتها بأنها "أكبر صفقة طائرات في تاريخ الطيران السعودي، وذلك في اليوم الأول من المؤتمر، وقدّر المنظمون قيمة هذه الصفقة "التاريخية" بـ19 مليار دولار.

مع أن السعودية كانت أعلنت العام الماضي عن صفقة لشراء 39 طائرة "دريملاينر" من "بوينغ"، إنما المشاكل المستمرة في الشركة، وتحديداً مع هذه النسخة من طائراتها أبطأت بشكل كبير عملية التسليم.
ولفهم أكبر لأهمية قطاع الطيران في "رؤية 2030" تكفي الإشارة إلى أنه أسهم بنحو 20 مليار دولار في الاقتصاد السعودي في عام 2023، مع تأمين 241 ألف وظيفة، وما يقدر بنحو 717 ألف وظيفة أخرى في قطاع السياحة.

غير أن هذا لم يمنع "الهيئة العامة للطيران المدني" السعودي من توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "كوماك" الصينية، بهدف استكشاف الفرص المتاحة لتوطين صناعة الطيران وتطوير سلسلة التوريد المحلية.
لكن طموح الصين هو أبعد من ذلك، إذ يصل الى حدّ التعاون في كل المجالات، منها الأمنية والعسكرية وقطاع الطاقة النظيفة بما فيها الطاقة النووية لأغراض سلمية.

تنافس عالمي على أسواق الخليج
ويُظهر ذلك جليّاً حجم التنافس الدوليّ على أسواق الخليج العربي، بين كتلتين اقتصاديتين عالميتين هما الصين والولايات المتحدة. وقد جاء في مقدمة التقرير السنوي للعام الجاري لما يعرف بـ"المجتمع الاستخباري الأميركي" والذي يضم كل المؤسسات الاستخبارية، أن "الصين تتمتع بالقدرة على التنافس المباشر مع الولايات المتحدة وحلفائها وإمكان تغيير النظام العالمي القائم على القواعد بطرق تدعم قوة بكين وشكل حكمها في مواجهة الولايات المتحدة".

وجاء في التقرير نفسه، الذي خصصت مساحة واسعة منه للصين، أن بكين "تهدف إلى توسيع نفوذها في الخارج وأن يُنظر إليها على أنها بطلة للتنمية العالمية من خلال العديد من المنتديات المتعددة الجنسيات والمبادرات الصينية مثل مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي".

وبالعودة إلى قمة 2022 الصينية - السعودية والقمم التي عقدت على جانبها في الريّاض، فقد كانت بمثابة "إشهار" لهذه العلاقة الثنائية التي أخذت في التطور، ليس على المستوى الاقتصادي – التجاري فحسب إنما الجيوسياسي أيضاً، باعتبار أن الحليف الاستراتيجي التاريخي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأحد أقوى أقطاب "أوبك" اتخذ خطوات نحو شراكة طويلة ومتنوعة مع الخصم اللّدود والمنافس الأول على الزعامة العالمية.

وفي الأسبوع المنصرم أيضاً، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أمام لجنة المخصصات في الكونغرس، أن الإدارة الحالية "اقتربت جداً من إبرام مجموعة اتفاقيات مع المملكة العربية في مجالات الطاقة النووية والتعاون الأمني والدفاعي". صحيح أن رأس الدبلوماسية الأميركية ربطها بسياق اتفاق أوسع للتطبيع مع إسرائيل، واشتراط الريّاض بعودة الهدوء إلى قطاع غزة وتعبيد الطريق لإقامة دولة فلسطينية، لكن لا يُمكن النظر إلى جهود الولايات المتحدة "لإعادة تشكيل المنطقة المضطربة باتجاه الاستقرار والسلام"، بعدما اتسمت سياستها بـ"الخشونة"، بمعزل عن الجهود الصينية مع حلفائها "لإعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب"، ودخولها "الناعم" إلى ساحات النفوذ الأميركي

اقرأ في النهار Premium