منذ تولّي الشيخ مشعل الأحمد الصباح مقاليد الحكم في الكويت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، دارت التكهّنات بشأن أسماء كثيرة مرشّحة لمنصب ولي العهد الذي يختاره الأمير بنفسه خلال سنة من تولّيه الحكم، لكن اسم الشيخ صباح الخالد الصباح لم يكن أحد هذه الأسماء.
وأصدر الشيخ مشعل أمس أمراً أميرياً بتزكية الشيخ صباح الخالد، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الوزراء، لهذا المنصب الذي يتطلّع له كثيرون من ذرية مبارك الصباح، المعروف باسم مبارك الكبير، المؤسس الحقيقي لدولة الكويت.
ومنذ وفاة مبارك الكبير في 1915، اقتصرت ولاية العهد والإمارة في الكويت على فرعين فقط من أبنائه هما فرع جابر المبارك وسالم المبارك بدون باقي الفروع.
ويعد اختيار الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً للعهد كسراً لهذه القاعدة، فهو أول ولي للعهد من خارج هذين الفرعين، وهو الأول من ذرية حمد المبارك الصباح.
وجرى العرف أيضاً أن يكون ولي العهد ابنا لأمير سابق، وهو أمر لا ينطبق على ولي العهد الجديد.
وذكر رئيس ومؤسس مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات في الكويت عبدالعزيز العنجري أن ولي العهد الجديد "لم يكن معروفاً بتطلّعه للمناصب السياسية، أو الحظوة المجتمعية بل على العكس، كان يبتعد عن الأضواء فور انتهاء عمله ولا يحاول أن يفرض نفسه على المشهد".
وبشأن اختيار شخصية من خارج فرعي سالم وجابر، قال العنجري "لعلها نظرة سمو الأمير أن لا يعطي ولاية العهد لمن يطمح لها وإنما للأفضل من الأكفاء، حتى لو كانوا من خارج إطار القواعد المعتادة".
وولي العهد الجديد لم يكن بعيداً عن عالم السياسة وأجواء الحكم في الكويت، حيث شغل منصب رئيس الوزراء مرّات عدّة خلال الفترة من 2019 حتى 2022.
أزمات مع البرلمان
تميّزت الفترة التي تولّى فيها رئاسة الوزراء بصراع مرير بين الحكومة والبرلمان المنتخب من الشعب وواجهته تحدّيات كثيرة لم يكن أقلّها جائحة كورونا والهبوط الشديد لأسعار النفط، ومحاسبة البرلمان الشرسة للحكومة.
واستقال الشيخ صباح الخالد من الحكومة على خلفية استجوابه من أعضاء مجلس الأمة، حيث خلفه الشيخ أحمد النواف الصباح الذي لم تعمر حكومته طويلاً.
وأضاف العنجري أن ولي العهد الجديد "لا يبدي عداء لأحد ويتميّز بطول البال وسعة الصدر وخلال فترة رئاسته للوزراء تحمل عداوات سياسية من أشخاص لم يمكنهم من مصالحهم الآنية".
وبشأن الأزمة السابقة التي مر بها في تعامله مع البرلمان، أردف العنجري "الشيخ صباح الخالد كان من أبرز ضحايا التشوّه السياسي التدريجي الذي أصاب البرلمان في تلك الحقبة.. ولا يمكن أن نقيس علاقته بأي برلمان مستقبلي بناء على تلك التجربة السابقة".
العمل الدبلوماسي
الشيخ صباح الخالد من مواليد الكويت عام 1953 وحاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة الكويت عام 1977.
وهيمن العمل الدبلوماسي على شخصية ولي العهد الجديد، إذ التحق بوزارة الخارجية عام 1978، عقب تخرجه من جامعة الكويت، وعمل في بعثة الكويت في الأمم المتحدة ثم سفيراً لبلاده لدى السعودية ومندوباً لدى منظّمة المؤتمر الإسلامي، التي أصبحت الآن منظّمة التعاون الإسلامي.
وقبل أن يصبح رئيساً للوزراء في 2019، شغل منصب وزير الخارجية لنحو ثماني سنوات من 2011، وقبلها شغل مناصب وزارية منذ 2006 هي الشئون الاجتماعية والعمل والإعلام.
وعن تأثير العمل الدبلوماسي على شخصيته قال العنجري "هو يعرف المنطقة جيّداً. وإقليمياً تربطه علاقات وطيدة بقيادات المنطقة لاسيما في الدولة الشقيقة والصديقة المستقرّة سياسياً، ومن المرجّح أن تستعيد هذه العلاقات عافيتها ويستثمرها الاستثمار الصحيح".
ومنذ سنوات، تعيش الكويت أزمات متتالية بسبب الخلافات المستمرّة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخاباً مباشراً، الأمر الذي أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي وعطّل كثيراً المشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد.
وأمر أمير الكويت في العاشر من أيار (مايو) بحل البرلمان وتعليق العمل ببعض مواد الدستور لمدّة لا تزيد عن أربع سنوات، يتم خلالها مراجعة التجربة الديموقراطية واتّخاذ ما يلزم بشأنها.
ومنذ ذلك الحين انتقلت صلاحيات مجلس الأمة إلى الأمير ومجلس الوزراء.
وفي 15 أيار (مايو) أدّت الحكومة الجديدة، التي يرأسها الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح، اليمين أمام الأمير، حيث طالبها بتحديد أولويّاتها ووضعها وفق خطة عمل وجدول زمني محدّدين، مع التركيز على المشاريع الاستراتيجية التنموية.