النهار

الإمارات وأفغانستان "الطالبانيّة"
المصدر: خاص "النهار العربي"
حالة عدم الاعتراف الدولي بالحكومة الطالبانية لم تمنع الإمارات من وضع أهداف تحقيق نفوذ لها في الداخل الافغاني، وهذا ما تقوم به دول عديدة كقطر وتركيا والصين وروسيا التي تسعى الى حجز أدوار لها على مستويات عدة داخل أفغانستان التي شهدت سقوطاً لقوّاتها الأمنية عام ٢٠٢١ واستيلاء حركة "طالبان" بالقوّة على السلطة هناك.
الإمارات وأفغانستان "الطالبانيّة"
بن زايد مودّعاً حقاني بعد اجتماع في قصر الشاطئ في أبو ظبي (ا ف ب)
A+   A-
في آب (أغسطس) الماضي، تسلّمت وزارة الخارجية الإماراتية بشخص وكيل الوزارة المساعد لشؤون المراسم سيف عبد الله الشامسي أوراق اعتماد السفير الأفغاني مولوي بدر الدين حقاني. واعتُبرت الإمارات الدولة الثانية التي تقوم بخطوة كهذه بعد الصين. 
 
وسبقت هذه الخطوة الدبلوماسية زيارة قام بها وفد حكومة "طالبان" لرئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قصر الشاطئ في أبو ظبي. وترأس الوفد الأفغاني إلى الإمارات في حزيران (يونيو) الماضي وزير الداخلية سراج الدين حقاني المطلوب أميركياً. 

حالة عدم الاعتراف الدولي بالحكومة الطالبانية لم تمنع الإمارات من وضع أهداف تحقيق نفوذ لها في الداخل الأفغاني، وهذا ما تقوم به دول عديدة كقطر وتركيا والصين وروسيا التي تسعى إلى حجز أدوار لها على مستويات عدة داخل أفغانستان التي شهدت سقوطاً لقوّاتها الأمنية عام 2021 واستيلاء حركة "طالبان" على السلطة هناك. 
 
إذا عدنا بالتاريخ إلى تسعينات القرن الماضي، زمن الانقلاب الطالباني في أفغانستان، نرى أن الإمارات كانت من بين الدول الثلاث التي اعترفت بحكومة "طالبان" عام 1997، وكذلك رأينا سحباً لهذا الاعتراف بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، إذ كانت من المناهضين الأشداء للإرهاب، ولعبت دوراً كبيراً على المستوى اللوجستي والإنساني في أفغانستان عبر مواكبتها الولايات المتحدة الأميركية وتحالف شمال الأطلسي في حربهما على الإرهاب هناك ولسنوات عديدة. 
 
الأرض الأفغانية ليست غريبة على الإماراتيين الذين يعرفون جيداً القدرات الكبيرة الموجودة وغنى الموارد الطبيعية هناك، كما تعلم الإمارات جيداً أن دور الوسيط المُنتج بين الغرب والحكومة الطالبانية يمكنها أن تلعبه بشكل مريح، فهي الدولة التي باستطاعتها التواصل مع الجميع، من إسرائيل وصولاً إلى إيران.
 
غير أن المنافسة مع القطريين والأتراك على لعب هذا الدور، شجّعت المحركات الإماراتية على المضي قدماً في الإنتاج داخل أفغانستان. وفي هذا السياق استقبل الرئيس الإماراتي في كانون الأول (ديسمبر) 2022، وزير دفاع حركة "طالبان" محمد يعقوب في أبوظبي، حيث تركزت المناقشات آنذاك على إعادة تشغيل مطارات أفغانستان.
 
وقبل عام 2021، كان التواصل قائماً بين الإماراتيين والطالبانيين، وقد حصلت اجتماعات عديدة بينهما في أبو ظبي عام 2018، لكن ذلك لا يلغي التأزم في العلاقة أيضاً والذي طغى على المشهد عام 2017 بعد مقتل السفير الإماراتي في انفجار داخل كابول.
 
ترى الإمارات الأرض الأفغانية في أدوارها الاستراتيجية وساحات الاستثمارات الواسعة والقدرات الطبيعية، وتعمل اليوم على هذه الخطوط، وهذا ما جعلها تفعّل علاقتها مع الطالبانيين في الآونة الأخيرة. وكان واضحاً البيان الذي صدر عن لقاء الرئيس الإماراتي الوفد الطالباني أخيراً، لناحية "تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، وسبل تنميتها بما يحقق المصالح المشتركة، ويسهم في استقرار المنطقة، بخاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية ودعم الإعمار والتنمية في أفغانستان".
 
الإمارات تريد تفعيل الاستثمارات ولعب أدوار جديدة، و"طالبان" تريد إعادة بناء شيء من الذي دمّرته الحرب بسببها والتي شاركت بها بكل قواها في السنوات الماضية.
 
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدّة الأميركية وما تريده اليوم في أفغانستان، فأولوياتها هي احتواء الإسلام السياسي في مسار مقبول لا يشكل تهديداً لأمنها القومي من جديد، كما وجود دولة كالإمارات صاحبة نفوذ داخل أفغانستان، فهذا يريحها وتفضله على نفوذ قوي لروسيا والصين وإيران مثلاً. فالإمارات وسيط مقبول أميركياً ويجنّب واشنطن التعاطي المباشر مع منظمة تعتبرها "إرهابية" لا تحترم الكثير من قضايا حقوق الإنسان، وتحديداً القضايا المتعلّقة بالمرأة ودورها في المجتمع. 
إذاً نحن أمام أولويّات المصالح التي تحضر بقوّة وتُسقط الاعتبارات الأخرى!

اقرأ في النهار Premium