تكتسب زيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد لواشنطن الإثنين المقبل أهمية تتجاوز العلاقة الجيوستراتيجية الراسخة بين الجانبين إلى شراكة تنسجم مع الرؤية الاقتصادية والتكنولوجية لأبوظبي والقائمة على أساس استخدام الثروة النفطية للتحول قوة عالمية رائدة في الذكاء الاصطناعي.
والزيارة هي الأولى من نوعها للشيخ محمد بن زايد لواشنطن منذ تسلمه الرئاسة، وسيلتقي خلالها الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس ومسؤولين آخرين إضافة إلى قادة من قطاع التكنولوجيا، وسيبحث معهم "علاقات الصداقة التاريخية" بين البلدين والتي تمتد إلى اكثر من خمسين عاماً.
ومن البديهي أن تشمل المحادثات بين الرئيسين أزمات المنطقة، ولا سيما حرب غزة التي تدخل قريباً عامها الثاني، والتي تضطلع الإمارات بدور رئيسي في الجهود الإنسانية الهادفة إلى إنهاء المعاناة الناجمة عنها.
لكن الرسالة الأساسية التي تنطوي عليها الزيارة تتلخص بالازدهار والاستقرار، وهو ما يشكل تحولاً أساسياً في توجه أبوظبي.
وقد حرص المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش على إبراز الجوانب غير التقليدية للزيارة، مشدداً على أنها تتعلق بـ"مستقبل الإمارات"، على رغم أهمية القضايا الإقليمية التي سيناقشها الجانبان.
الواضح أن أبوظبي تتطلع إلى نوع جديد من الشراكة مع واشنطن تأخذ في الاعتبار التحولات في النظام العالمي وتركز خصوصاً على أبعاد جديدة تدخل في صلب رؤية الدولة الخليجية.
وقد مهد الجانبان لهذه الشراكة بسلسلة اتفاقات عكست ثقة واشنطن بالإمارات شريكاً إقليمياً موثوقاً ويعتد به، بعد تحديات عدة واجهها الجانبان، إذ أعلنت شركة "مايكروسوفت" في نيسان (أبريل) عن استثمارٍ بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة ،"G42" المجموعة المعنية بالذكاء الاصطناعي ومقرها أبوظبي. وكان ذلك بمثابة ضوء أخضر إماراتي لدخول الشركة بقوة إلى مضمار المنافسة في الولايات المتحدة.
ذلك الاتفاق جاء بعد أشهر من المحادثات بين مسؤولين أميركيين وإماراتيين. وفي حينه، وصف وزير الدولة الإماراتي للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل من بعد عمر بن سلطان العلماء الاتفاق بأنه "زواج" بين واشنطن وأبوظبي.
وتحولت شركة G42 التي تأسست قبل ست سنوات في الإمارات إلى المركز العصبي لطموحات أبوظبي لتصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي ونشر نفوذ البلاد الأوسع في جوارها وخارجها. وهي تريد تحقيق هذا الهدف من خلال تطوير البنية الأساسية لاقتصاد الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الواقعية للتكنولوجيا في صناعات مثل الرعاية الصحية والطاقة.
وفي السنتين الأخيرتين، أبرمت الشركة صفقات مع شركة OpenAI، التي ابتكرت برنامج "تشات جي بي تي"، ومع شركة "سيريبرا"، وهي شركة ناشئة في مجال تصنيع الرقائق، لبناء كمبيوتر خارق جديد. كما تعمل الشركة على إنشاء مراكز بيانات لاستيعاب أحمال عمل ضخمة تتعلق بالحوسبة السحابية.
تراهن أبوظبي على التكنولوجيا مصدراً جديداً للمداخيل، ومن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 96 مليار دولار في اقتصاد الدولة بحلول عام 2030، أي ما يعادل حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتقرير صادر عن شركة "بي دبليو سي الشرق الأوسط".
وتخوض الإمارات بقوة مضماراً يشهد منافسة قوية بين الولايات المتحدة والصين، وتقر بأن أي عقود في مجالات تكنولوجية حساسة تخضع لأخذ وردّ، لكنها نجحت في الوصول الى نوع من التوازن بين مصالح العملاقين، من دون أن تمس بمسألة السيادة، وهي أمر محسوم بالنسبة إليها.
وهي تتمتع بنقاط قوة تجعلها لاعباً مرحباً به في هذا الميدان، إذ تمتلك مصادر تمويل ضخمة، وقيادتها ليست شريكاً صامتاً، وإنما شغوفة في التقنيات الجديدة، ورهانها كبير على الذكاء الاصطناعي لكتابة فصل جديد من قصة نجاحها.