النهار

العلاقات الأميركية – الإماراتية: شراكة من الصحراء إلى الفضاء
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
إن لحظة شكر الرئيس بايدن نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في أيلول (سبتمبر) 2023 لمساهمته في إنشاء "الممر الاقتصادي" بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لا تزال ماثلة في الأذهان.
العلاقات الأميركية – الإماراتية: شراكة من الصحراء إلى الفضاء
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي بالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قمة جدة (أ ب)
A+   A-

وصف أميركيون الإمارات العربية المتحدة بـ"إسبرطة الصغيرة". جاء ذلك تحديداً على لسان جيمس ماتيس، وزير الدفاع في ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. يعني هذا التوصيف الكثير على مستوى تقدير الولايات المتحدة لدور شريكها الأمني في الشرق الأوسط.

 

حدث ذلك حين أثبتت الإمارات عزمها على محاربة التنظيمات المتطرفة في المنطقة واستعادة الأمن في اليمن. لكن التوصيف كشف الكثير أيضاً عن اهتمام أميركا المستمر بتطوير علاقاتها مع الإمارات، وعلى أكثر من صعيد. بتعبير آخر، لم يكن هناك اهتمام جمهوري حصري بتوطيد الروابط مع الإمارات، وإنما كان الاهتمام مشتركاً بين الحزبين الرئيسيين. ليس أدل على ذلك من استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارته الولايات المتحدة والتي بدأت يوم الاثنين.

 

التجارة... أرقام متصاعدة

تسلك العلاقات الاقتصادية بين البلدين مساراً متصاعداً. بلغ حجم التبادل التجاري بينهما سنة 2023 نحو 31.4 مليار دولار. وتساعد الإمارات الاقتصاد الأميركي مع منحه رابع أكبر فائض تجاري عالمياً. والأهم هو أن للإمارات علاقات تجارية مع الولايات الخمسين، كما يظهر الموقع الإلكتروني لسفارة الإمارات العربية المتحدة في العاصمة واشنطن. وبالحديث عن السفارة الإماراتية، يمكن الإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين تعود إلى السنوات الأولى التي تلت تأسيس الاتحاد، إذ كانت واشنطن ثالث دولة تقيم علاقات ديبلوماسية معه سنة 1974. ومثلت الإمارات العربية المتحدة الشريك التجاري الأول عربياً للولايات المتحدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

 

لم يكن التعاون الاقتصادي بين البلدين ثنائي المسارات وحسب. إن لحظة شكر الرئيس بايدن نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في أيلول (سبتمبر) 2023 لمساهمته في إنشاء "الممر الاقتصادي" بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لا تزال ماثلة في الأذهان. وقال بايدن حينها: "أود أن أقول شكراً، شكراً، شكراً، محمد بن زايد... لا أعتقد أننا كنا لنستطيع تحقيق ذلك من دونكم". حينها، وصف مسؤولون غربيون المشروع بـ "التاريخي".

 

الانتقال الأخضر

لطالما اهتم البلدان بالانتقال إلى مستقبل نظيف. تسعى وثيقة استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 إلى تبني مصادر الطاقة النووية والنظيفة والمتجددة. وفي قمة "كوب-28" التي استضافتها الإمارات السنة الماضية، تم تحقيق اختراق كبير لجهة ذكر البيان الختامي عبارة "التحول عن الوقود الأحفوري".

 

تعاونت الإمارات وأميركا في مجال الانتقال إلى الطاقة الخضراء إذ أطلق البلدان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 "الشراكة لتسريع الطاقة النظيفة" التي ستحشد نحو 100 مليار دولار و100 غيغاوات من الطاقة النظيفة بحلول 2035. ولا تزال شركة "مصدر" الإماراتية للطاقة النظيفة تسعى إلى توسيع أسواقها الأوروبية والأميركية لبلوغ أهدافها بحسب "بلومبرغ" الأميركية.

 

موضوع الساعة

لا يمكن التطرق إلى التحولات العالمية الراهنة من دون الحديث عن موضوع الساعة والمستقبل: الذكاء الاصطناعي. بالنظر إلى مزايا ومخاطر هذه التكنولوجيا، لا تتجاهل العلاقات الثنائية أهمية التعاون في هذا المجال. في شباط (فبراير) الماضي، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" سام ألتمان إن بإمكان الإمارات العربية المتحدة أن تكون "بيئة ناظمة تجريبية" للذكاء الاصطناعي. وبحسب تقرير "سي إن بي سي" الأميركية، تريد الإمارات توسيع شراكاتها البالغة قيمتها 1 تريليون دولار مع الولايات المتحدة لتشمل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

 

ووجهت "شركة مبادلة للاستثمار" أكثر من 100 مليار دولار إلى مشاريع أميركية متنوعة بحسب ما كتب نيكولاي ملادينوف في صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية. ويقدّم مثلاً على ذلك استثمار "مايكروسوفت" في شركة "جي 42" الإماراتية باعتباره مجرد بداية، حيث تواصل الشركة تأسيس شراكات مع "أنفيديا" و"سيريبراس" مع إطلاق مشروع استثماري رقمي في أفريقيا بقيمة مليار دولار. بالتالي، لا تخدم هذه الاستثمارات مصلحة البلدين وحسب، بل مصالح أطراف متعددة بما فيها تلك التي هي بأمس الحاجة إلى التطور التكنولوجي.

 

من جهته، قال رئيس شركة "مايكروسوفت" براد سميث في حديث إلى "فايننشال تايمز" في الربيع الماضي إن الدولتين على طريق توضيح نوعية الصادرات الأميركية إلى الإمارات في ما يخص التكنولوجيا الفائقة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وكانت الولايات المتحدة قد حدّت من صادراتها الدولية على هذا المستوى في إطار صراعها التكنولوجي مع الصين.

 

بناء المستقبل... معاً

يمكن فهم جزء كبير من الإطار المحفّز للعلاقات بين البلدين من خلال ما وصفته السفيرة الأميركية في الإمارات العربية المتحدة مارتينا سترونغ والسفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة بأنه علاقة مبنية على "الابتكار". وفي مقال رأي مشترك نشرته وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، كتبا أن أكثر من 50 ألف أميركي باتوا يرون في الإمارات اليوم "موطناً" لهم.

 

تعد زيارة الشيخ محمد بن زايد الأولى له كرئيس للإمارات إلى الولايات المتحدة. وعلى الرغم، بل ربما بسبب حصولها في نهاية ولاية بايدن الأولى والوحيدة له كرئيس أميركي، تشير الزيارة إلى أن الإمارات ستظل شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، بصرف النظر عن الحزب الموجود في البيت الأبيض.

 

لا تعني هذه الشراكة خلو العلاقات من أي تباينات أو مشاكل، خصوصاً في ظل اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. لكن في وقت كادت تقارير سابقة تتحدث عن "نهاية" العلاقة بين واشنطن وأبو ظبي بسبب خلافات حول الرؤى الدولية، تؤكد الزيارة اليوم أن بإمكان العلاقات أن تتوطد أكثر بفضل احترام الهواجس المتبادلة لدى الطرفين واحترام مساحة التحرك الخاصة لدى كل منهما.

 

يكتب ملادينوف في "ذا ناشونال" الإماراتية أنه "من وادي السيليكون إلى الخليج، تبني الولايات المتحدة والإمارات المستقبل معاً". هو مستقبل لن يخلو من التحديات، لكن تمتعَ الدولتين بالابتكار والطموح سيكون كافياً لتخطيها.

 

 

اقرأ في النهار Premium