زيارة محورية قام بها الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الولايات المتحدة، في مرحلة بالغة الحساسية تمر بها منطقة الشرق الأوسط، في ظل الحرب المتصاعدة الحدّة بين إسرائيل و"حزب الله"، واقتراب المعارك في غزّة من نهايتها وبدء البحث الجدّي في اليوم التالي للقطاع بعد انتهاء الاشتباك المسلّح، مع الإشارة إلى أن موقع الإمارات على الخريطة الاستراتيجية في المنطقة ودورها ذات أهمية استثنائية.
في التوقيت، فإن الإدارة الأميركية تعيش آخر أيامها، والرئيس الأميركي جو بايدن يختبر فترته الأخيرة في البيت الأبيض، كون الانتخابات الرئاسية على بُعد أسابيع، إلّا أن الدفع الأميركي الذي يقف خلفه الرئيس الديموقراطي وإدارته لإرساء حلول سياسية في الشرق الأوسط وإنهاء الحروب، يتلاقى مع الرؤية الإماراتية التي تسعى إلى وقف إطلاق النار وبدء البحث بالحلول السياسية، ما يزيد من أهمية زيارة بن زايد.
وخدمة للرؤية الإماراتية في هذا السياق، شملت زيارة بن زايد لقاءات عدة، أبرزها كان مع بايدن، الذي بحثا فيه عدد من القضايا الإقليمية والدولية، وتركز حول التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأزمة الإنسانية في قطاع غزة والجهود المبذولة تجاه وقف إطلاق النار في القطاع بما يسمح بتدفق المساعدات الإنسانية الكافية، واحتواء التصعيد في المنطقة.
في الشأن الفلسطيني، وفي ظل حرب غزّة وما يرافقها من غليان في الضفة الغربية، الواقع الذي يُحتّم إيجاد الحلول بأسرع وقت قبل أن تتضاعف حدّة الأزمات، فإن بن زايد وبايدن أكدا ضرورة الامتناع عن كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حلّ الدولتين، وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون أي عوائق، وفق ما نقل البيت الأبيض عن بيان مشترك.
كذلك، أكد الرئيسان أن "حل الصراع في السودان لن يكون عسكريا"، وأكدا موقفهما "الثابت والراسخ بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة وفورية لتحقيق وقف دائم للأعمال القتالية والعودة إلى العملية السياسية والانتقال إلى الحكم بقيادة مدنية".
المنحى السياسي الثنائي حضر في اللقاء أيضاً، انطلاقاً من العلاقة التاريخية بين الطرفين والتعاون الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، فجرى البحث بالعلاقات الاستراتيجية التي تجمع الطرفين، وشدّد الجانبان على وجوب العمل المشترك لتعزيز هذه العلاقات في مختلف المجالات بما يحقق مصالحهما المشتركة، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
الجانب الاقتصادي لم يغب عن مباحثات بن زايد، انطلاقاً من كون الإمارات تؤدي أدواراً محورية في هذا الإطار وتسعى لأن تُحافظ على مكانتها كقوّة اقتصادية، ولهذا السبب، استعرض الرئيس الإماراتي مع نظيره الأميركي آفاق التعاون وأهمية توسيع مجالاته خاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء، إضافة إلى الطاقة المتجددة ومواجهة التغير المناخي والأمن الغذائي وحلول الاستدامة وغيرها من الجوانب التي تخدم رؤية البلدين تجاه تحقيق مستقبل أكثر تقدماً وازدهاراً للجميع.
لقاء مع هاريس
إلى ذلك، كان لبن زايد لقاء مع المرشّحة الديموقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هرايس، وأكد الجانبان أن العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة ستواصل تطورها ورسوخها بفضل الالتزام المتبادل بتنميتها وتوسيع آفاقها في إطار القيم والتوجهات المشتركة للبلدين الصديقين.
الشراكة الدفاعية
الجانب الدفاعي حاز على أهمية واسعة في زيارة بن زايد، لمواجهة التحديات العسكرية التي تواجهها الإمارات، وفي هذا الإطار، أفاد البيت الأبيض بأن بايدن أعلن الإمارات شريكا دفاعيا رئيسياً للولايات المتحدة.
وسيسمح هذا الإعلان بتعاون غير مسبوق من خلال التدريبات المشتركة والمناورات والتعاون العسكري بين القوات المسلحة للولايات المتحدة والإمارات والهند، فضلاً عن الشركاء العسكريين المشتركين الآخرين، لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وقد عبّر الجانبان عن التزامهما بالتعاون الوثيق والمستدام بين القوات المسلحة لكلا البلدين.
الذكاء الاصطناعي
التطور التكنولوجي الذي حققته الإمارات في الأونة الأخيرة، ووصولها إلى الفضاء، ونجاحها في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، واقع دفع ببن زايد لأن يشهد إعلان إطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بين بلده وأميركا، وذلك بحضور نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.
ويؤكد الإطار الرغبة المشتركة للبلدين لتعميق التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة والالتزام المشترك بتطوير مذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين بشأن الذكاء الاصطناعي.
المستشفى الوطني للأطفال
إلى ذلك، زار الرئيس الاماراتي مستشفى الأطفال الوطني في واشنطن، حيث اطلع على مختلف أقسامه التخصصية في مجال جراحة الأطفال والرعاية الصحية التي يقدمها لهم وفق أعلى المعايير الطبية العالمية وتوظيفه الابتكارات الرائدة في علاجاتهم بجانب التطوير المستمر للمستشفى وتقديمه الاستشارات عبر الانترنت للمرضى المقيمين في دولة الإمارات.
والتقى، خلال جولته في المستشفى، عائلات عدد من الأطفال الإماراتيين الذين يتلقون العلاج ومرافقيهم، حيث اطمأن على صحتهم وسير علاجهم، مؤكداً أن "رعاية أبناء الوطن في أي مكان أولوية قصوى للدولة".
لقاء مع ولي العهد البحريني
من جهة أخرى، استقبل بن زايد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وتبادلا خلال اللقاء الأحاديث الودية حول العلاقات الأخوية بين البلدين، وما يجمعهما من روابط وثيقة، إضافة إلى العمل المشترك من أجل تعزيز التعاون بما يحقق الخير والنماء للشعبين.
وعليه، تكتسب زيارة بن زايد إلى الولايات المتحدة أهمية واسعة انطلاقاً من الدور العربي والدولي الذي تلعبه الإمارات، ومن قدرتها على التحرّك بشكل أوسع مقارنةً بباقي الأطراف، والدفع باتجاه حلول دبلوماسية، وتعاونها مع الطرف الأميركي يسهّل عليها ذلك.