تمضي الجزائر في توجّهها إلى إحصاء أصولها الزراعية والحيوانية، بهدف وضع خطة عمل استراتيجية للنهوض بالقطاع الذي بقي لسنوات طويلة خارج دائرة العمل الحكومي، بسبب الاعتماد المفرط على النفط والغاز الطبيعي.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء الأحد الماضي، أكّد الرئيس عبد المجيد تبون "ضرورة إيلاء الإحصاء العام للزراعة الاهتمام اللازم، كونه يشكّل ثاني أكبر قطاع بعد صناعة الوقود الأحفوري، وباعتباره أداة أساسية لاتخاذ القرار".
وشدّد تبون على قرار الإحصاء باعتباره "آلية لمعرفة القدرات الوطنية وتحديد الحاجات لاتخاذ القرارات الصحيحة القائمة على المعطيات العلمية الدقيقة".
ويقضي القرار بإحصاء الأصول الزراعية والحيوانية، بغية تحديث البيانات والمعلومات الخاصة بالقطاع بشتى مجالاته، والحصول على رؤية شاملة ومستحدثة بشأن إمكانات القطاع وقدراته، وعن الفاعلين فيه.
محاربة المضاربة
وأطلقت وزارة الفلاحة أولى عمليات الإحصاء الحيواني في البلاد عام 2021، وشملت في البداية 5 محافظات هي عين تيموشنت، تيبازة، ميلة، غرداية وأدرار، وهي العملية التي كشفت عن فوارق كبيرة في الأرقام مقارنة بما كان مصرّحاً به سابقاً، حسبما كشفه وزير الفلاحة والتنمية الريفية السابق محمد عبد الحفيظ هني.
هذه المعطيات أكّدها لاحقاً الرئيس تبون، مظهراً استياءه، خلال افتتاح أشغال الجلسات الوطنية للفلاحة التي انعقدت في أول آذار (مارس) 2023، من التفاوت والتضارب المسجّلين في سنوات سابقة. كما كشف الإحصاء الدقيق للمواشي وجود 19 مليون رأس من الأغنام وليس 23 مليوناً أو 29 مليوناً مثلما كانت تُظهره الإحصاءات السابقة.
وتعليقاً على هذه التطورات، يقول النائب عن حزب "جبهة التحرير الوطني" (صاحب الأغلبية النيابية في البرلمان) أحمد ربحي، لـ"النهار العربي" إنّ "عملية إحصاء الأصول الزراعية والحيوانية تعدّ الثالثة من نوعها، فالأولى تمّت في عام 1974 والثانية كانت في عام 2002، ومنذ ذلك التاريخ لم تطلق الحكومات المتعاقبة أي عملية إحصاء من أجل تحديد معالم هذا المجال الحيوي إلى غاية 2023".
أهداف الإحصاء
وبحسب ربحي "ثمة ثلاثة أهداف للإحصاء الدقيق للثروة الحيوانية والزراعية، أولها يكمن في جمع بيانات الفلاحين والمستثمرين والاستثمارات الزراعية الموزعة في البلاد، وأيضاً إحصاء اليد العاملة والتأمينات والموارد المائية والمواشي ونسبة استغلال الأراضي الزراعية".
والهدف الثاني هو "إنهاء مرحلة الوسطاء والمضاربة والسماسرة الذين كانوا سبباً في تضخيم الرقم الحقيقي للمقدرات الزراعية والحيوانية، فتقليص الرقم بأكثر من 4 ملايين رأس من الماشية سيضبط المعونات المالية غير المباشرة الخاصة بأعلاف المواشي".
الهدف الثالث يكمن في "تحديد المقدّرات الحقيقية التي تحوزها الجزائر بعيداً من التضليل والتضخيم، فبعد أشهر الجرد الأولى، أظهرت عملية الإحصاء أنّ مساحة الأراضي المستغلة زراعياً لا تتخطّى 1.8 مليون هكتار، بينما يكشف الرقم الذي كان متداولاً سابقاً 3 ملايين هكتار، أما بالنسبة إلى رؤوس الماشية فتبلغ 19 مليوناً وليس 29 مليوناً".
ويولي تبون القطاع أهمية كبرى، ومنذ وصوله إلى سدّة الحكم في البلاد سعت الحكومات المتعاقبة جاهدة إلى إرساء أسس زراعية عصرية، تمكّنها من ضمان الأمن الغذائي المنشود على المدى القصير، وهو ما أكّده تبون في لقائه الدوري مع الصحافة الجزائرية قائلاً إنّ "المقاربة المتبعة في هذا المجال يجب أن تقوم على إعطاء المبادرة للمهنيين أنفسهم بعيداً من النمط الإداري المركزي"، مضيفاً: "أنا لا أؤمن بأنّ على وزارة الفلاحة أن تتحكّم من العاصمة الجزائرية في الإنتاج الفلاحي في مدينة تمنراست أو الجلفة أو المنيعة، فالفلاحة تتطلّب المبادرة واتحاد الفلاحين عليه أن يأخذ أمره بيديه بمساعدة الدولة، لا سيما من خلال إنشاء تعاونيات".
ويساهم قطاع الفلاحة في الجزائر بنسبة 7.14 في المئة من الناتج الداخلي الوطني الخام، ويشغل ربع اليد العاملة الناشطة أي حوالى 2.7 مليون شخص.
وأعلن هني أنّ قيمة الإنتاج الفلاحي بلغت عام 2022 حوالى 4,500 مليار دينار جزائري أي ما يعادل 35 مليار دولار أميركي، واتخذت الدولة الجزائرية خلال السنوات الثلاث الأخيرة العديد من الإجراءات للنهوض بهذا القطاع الذي يُعتبر ثاني أكبر قطاع في الجزائر بعد النفط، منها رفع دعم إنتاج المواد الاستراتيجية، ومراجعة النصوص التنظيمية التي تهدف إلى عصرنة الإنتاج، بالإضافة إلى تطهير العقار الزراعي، وأيضاً وضع إطار خاص بتحفيز الاستثمار الزراعي المهيكل والرقمنة الكلية لكل التعاملات في القطاع.