تتجه تونس نحو السماح للنساء بتجميد بويضاتهن قبل الزواج.
وينتظر أن يتم تمرير مبادرة تشريعية لمجلس النوّاب خلال الأيام المقبلة لتنقيح القانون الحالي لعام 2001 المتعلق بالطب الإنجابي، وفق ما أكده رئيس قسم طبّ النساء والتوليد بمستشفى عزيزة عثمانة لـ"النهار العربي".
وكان مسلسل "فلوجة" الذي عرضه تلفزيون "الحوار التونسي" خلال شهر رمضان، قد أثار الجدل بشأن هذا الموضوع بعدما تطرّق له من خلال طرح قصّة سيّدة تزوجت في سنّ متقدمة، وأعلنت رغبتها في إنجاب طفل، لتكون صدمة الزوج الكبيرة إذ تساءل "كيف ذلك وأنت في هذه السن؟"، لتجيبه بأنها قامت قبل سنوات بتجميد بويضاتها.
وأثار المشهد ضجّةً واسعةً على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، ودفع كثيرين للتساؤل عن هذا الموضوع، وخصوصاً أن جزءاً كبيراً من التونسيين ليسوا على دراية بالتفاصيل الدقيقة لعملية تجميد البويضات، سواء من الناحية الطبيّة أو القانونية.
وككل المواضيع الجدلية اختلفت الآراء بين مرحب ومنتقد لأسباب أيديولوجية وحتّى علمية.
القانون يمنع
ويمنع القانون التونسي الحالي النساء من تجميد بويضاتهن قبل الزواج، ولا يسمح بذلك إلا للمتزوجات وفي حالات بعينها، كتلقي العلاج الكيمياوي أو الإصابة بمرض يؤثر على قدرة المرأة الإنجابية، وفق ما يؤكد المحامي سليم البرهومي لـ"النهار العربي".
وينصّ القانون عدد 93 المؤرّخ في 7 آب (أغسطس) 2001 المتعلّق بالطب الإنجابي، في فصله الحادي عشر، على منع إجراء تجميد الأمشاج أو الأجنة، ويستثني من هذا التحريم الشخص المتزوج والذي يخضع لعلاج أو الذي يستعدّ للخضوع لعمل طبّي من شأنه أن يؤثر على قدرته على الإنجاب، ويسمح له باللجوء إلى تجميد أمشاجه قصد استعمالها لاحقاً في إطار رابطة زواج شرعي، وفي نطاق الطبّ الإنجابي وطبقاً للقواعد والشروط الواردة في القانون.
تراجع نسب الخصوبة
يقول الدكتور المتخصص في طب النساء الياس بن ميلاد لـ"النهار العربي"، وهو أحد الأطباء الذين ساهموا في سنّ المشروع الحالي وكان أول من قام بتجربة طفل أنبوب ناجحة في تونس، إن القانون الحالي يسمح فقط للمرأة المتزوجة بتجميد البويضات إذا كانت مصابة بمرض يؤثر على خصوبتها، كما يسمح بتجميد الأجنة بناءً على طلب كتابي وموافقة الزوجين لمدة 5 سنوات.
ويشدد الطبيب التونسي على أنّ ثمة حاجة ملحة لتعديل هذا القانون. ويلفت إلى أنه "في الأعوام الأخيرة تراجع مستوى الخصوبة وصار إنجاب طفل يتطلب في حالات كثيرة جهداً ووقتاً ومالاً من الزوجين (...). زواج المرأة في سن متقدمة نسبياً يؤثر على خصوبتها، وهو ما يجب أن يأخذه المشرع في الاعتبار حتّى لا تُحرم نساء كثيرات من حلم الأمومة".
ويلفت إلى تراجع ملحوظ في عدد الولادات في الأعوام الأخيرة، وهو ما يهدد تركيبة المجتمع التونسي.
وطبياً، يشرح الطبيب التونسي أنه ينصح بالقيام بعملية تجميد البويضات في سنّ مبكرة تراوح عموماً بين 28 سنة و36 سنة، "لأنه مع تقدم المرأة في السنّ تقل جودة بويضاتها، ما يقلل من فرص الحمل".
وتفيد أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي بأن نسبة الخصوبة انخفضت انخفاضاً متكرراً خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى 1.8 طفل في سنة 2021، مقارنة بـ2.4 طفلين في عام 2013، وتعد المباعدة بين الولادات وتأخر سن الزواج من بين أبرز المؤشرات في هذا السياق.
بعد فوات الأوان
تقوى هي واحدة ممّن عشنَ الحرمان من حلم الأمومة بسبب عدم السماح للعازبات في تونس بتجميد بويضاتهن. وتقول السيدة التي تزوجت بعد الأربعين لـ"النهار العربي" إنها تتمنى لو كانت قامت بعملية تجميد البويضات عندما كانت في سنّ أصغر، وتضيف: "جربت في أكثر من مرة الإنجاب بعد زواجي لكن للأسف لم أنجح في تحقيق حلمي بأن أصبح أماً، لو كان القانون يسمح بذلك للعازبات ربّما كنت حققته".
ودفع تشدد القانون التونسي في ما يتعلّق بتجميد البويضات كثيراً من التونسيات إلى اللجوء إلى دول أخرى لإجراء هذه العملية. وتضغط أصوات كثيرة في تونس من أجل تعديل هذا القانون والسماح للنساء غير المتزوجات بتجميد بويضاتهنّ.
ويقول رئيس لجنة الصحة البرلمانية نبيه ثابت لـ"النهار العربي" إن ثمة حاجة ملحة اليوم لتعديل القانون المتعلق بتجميد البويضات، لافتاً إلى أن "المجتمع التونسي شهد تغييرات كبيرة، فسنّ الزواج تأخر، سواء بالنسبة للرجل أو حتّى المرأة التي تختار أن تنهي دراستها وتجد عملاً قبل التفكير في الزواج"، لذلك يشدّد على أنه "آن الأوان لمراجعة العديد من القوانين، من بينها قانون تجميد البويضات".
وبحسب دراسة أجراها مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث عام 2022، تتصدّر تونس قائمة الدول العربية التي يتأخّر فيها سنّ الزواج لدى الفتيات، إذ تصل نسبة العنوسة فيها إلى أكثر من 80 في المئة.
ويعتبر النائب التونسي أن القانون بنصّه الحالي يحرم تونسيات كثيرات من تحقيق حلم الأمومة بسبب تشدّده في ما يتعلق بشروط السماح بتجميد البويضات، قائلاً إن ثمة حاجة ملحة لتغيير القانون والعقليات، مضيفاً أنه "ما دام العلم يسمح بذلك فللمرأة الحق في أن تقرر مصيرها وماذا تريد أن تفعله ببويضاتها".